الجمعة، 29 ديسمبر 2006

سنة ميلادية سعيدة 2007

نستقبل هذه السنة الجديدة وكلنا ثقة في المستقبل، في مدى قدرتنا، معا، على رفع التحدي، من أجل مجتمع تدوين فاعل، بناء قادر على كسب ثقة قراءنا ومتتبعينا على واقعنا الإفتراضي. سخرنا لذلك كل طاقاتنا وفتحنا المجال ولو بشكل خجول في البداية. مساهمين بذلك في إبراز كل الكفاءات، دينية، سياسية، إخبارية، ثقافية، إبداعية، علمية، فنية،.. وعلى هذا النهج نسير وكانت البداية ..
بداية نتفحص من خلالها واقعنا وواقع محيطنا العربي في حيرته وصراعاته وتناقضاته وأمله في المستقبل.
قد أصبنا في الإختيار واستجبنا لما نطمح إليه، من مواد هادفة شاملة من خلال مجتمع تدوين يسعى دوما لتحسين أداءه بكل عناصره.
وتزامنا مع عيد الأضحى المبارك.. نهنئكم مقدما بقدوم هذه المناسبة السعيدة .. تقبل الله منا صالح الأعمال وأعاد أمثال هذه الأيام المباركة بالصحة والهناء والسعادة .
وأسأل الله (جل وعلا) أن يرزقني وإياكم خاتمة أهل السعادة وأن يجمعنا في جنته ومستقر رحمته .
أدخلها الله علينا هذه المناسبات جميعا بموفور الصحة. والتوفيق فيما نسعى إليه .
سنة سعيدة .
وكل عام وأنتم بخير .

الجمعة، 22 ديسمبر 2006

تأملات في أوراق متضاربة - الجزء 1

عاد سعيد ناصر إلى الحياة العقلية مرة أخرى.
عاد يساهم في دفع التدوين والثقافة مرة أخرى.
وقع هذا بمجرد نشر بعض التدوينات على مدونة أوراق متضاربة.. وهي المدونة التي ثم إنشائها يوم السبت من صدر يوليوز لسنة 2006 .
كانت المدونة تنشر تدويناتها يوم الجمعة من كل أسبوع.
وهو يوم يذكرني بيوم ولادتي.. لذا أحببت إحياءه كل أسبوع.. بفكرة جديدة كما نقول نحن أهل المهنة.
أكنت أتحدى بنشر تدويناتي في هذا اليوم بالذات؟
لا أعرف..
كلما أستطيع قوله أنها كانت شجاعة مني أن أختار هذا اليوم الحي لنشر تدويناتي .
ولقد صار يوم الجمعة بعد ذلك في عالم التدوين غير عادي. كان هو اليوم التي تنشر فيه تدوينات، مدونة أوراق متضاربة .
ولقد حرصت على أن ألخص عنوان رسالتي أو قضيتي في إسم المدونة إبتداء ..
ومن ثم فقد سميتها ((أوراق متضاربة)) .
وهو ما أثار عدد من المدونيين والقراء.. ما معنى أوراق متضاربة؟
بالحقيقة إن الكثيريين يمكن أن يروا ذلك، فالفضول طبع إنساني .
أوراق متضاربة لم تكن إلا خلاصة لعنوان : "أوراق متضاربة.. رسائل في زمن الواحد والكل " .
هنا يمكن توسيع الرؤيا لكل شيئ .
كما أنني أريد أن أصرح لكم بشيئين يمكن أن يلخصا ما أريد توضيحه لكم (قرائي، وأصدقائي) : الأول : أنني مدون مقل في إنتاجه (تدوينة كل أسبوع) .
الثاني : أنني عزمت منذ البداية على عدم التأثر بنفسي .
وبالنسبة للشيئ الأول – إنني بطبيعتي من المدونيين المقليين جدا، وما كتبته طوال تجربتي التدوينية. أي مدة ست أشهر هو خمس وعشرون مقالا. أي بمعدل أربع مقالات في الشهر.. وهذا ملائم جدا لطبيعتي لأن التباعد وعدم الكتابة المتوالية يعطيني الفرصة للتأمل وحمل التجربة داخلي لأكبر وقت ممكن، وأجد راحة كثيرة في هذا، بالإضافة على أنني مشغول أيضا بجوانب الحياة، ودراستي التي أتمنى لي ولجميع الطلاب التوفيق .
وبالنسبة للشيئ الثاني – فإنني منذ البداية أوطد عزمي على عدم التأثر بتجاربي الخاصة .
فالتأثر بتجاربي الخاصة، يعني في رأيي – إستهلاك تجاربي وتكرارها لمدة أطول، لأن هناك كثيرا من المدونين يصلون إلى مرحلة ما من تطورهم، وسرعان ما نجد المرحلة الثانية والثالثة.. والأخرى تأتيان على غرار المرحلة الأولى. وربما لايصلون.. ومثل هؤلاء المدونين يتأثرون بأنفسهم، ومن هذا الصنف الكثير، بل إنك تجد مدون يكتب على مستوى جيد، لكن الكتابات بعد ذلك كثيرا ما تأتي دون المستوى المطلوب، والأمثلة كثيرة، إنني أعي هذا جيدا، نتيجة لملاحظاتي على الغير، لا أحاول تكرار الملاحظة على نفسي، ويساعدني على هذا أنني - كما قلت لكم- من المدونين المقلين.
وأنا أرى أن الكتابة المتوالية، والمتواصلة لاتكون جيدة، بل أنها تأتي في كثير من الأحيان مكررة، وتستهلك نفسها، لأنها لاتعطي الفرصة للمدون، كي يتأمل تجربته، وينظر إلى ماتوصل إليه، بل قلما يفكر في التجاوز الذي ربما يأتي متأخرا جدا..
قد يؤدي فضول الطبع الإنساني مرة أخرى لطرحكم السؤال: ماذا أعني بـ"أوراق متضاربة.. رسائل في زمن الواحد والكل" وهنا لابد من البوح أكثر.. وعليه فمن الواجب أن أترك التعمق فيه مستقلا في مقال آخر قادم .
وعلى أي حال فهذه التأملات مازالت في بدايتها.. نرفع الجلسة إلى موعد آخر ..

الجمعة، 15 ديسمبر 2006

ما ذا نقرأ ؟

يحيل السؤال "ماذا نقرأ" مباشرة، على الكتابة. وفي هذا الشأن ثمة إجماع : "أننا شعب لا نقرأ" .
يا للحسرة !.
وللتأكد من هذا الحكم لدينا إحصاءات دقيقة تملكها دور النشر من أرقام متلاعب فيها قلما يذكر فيها جانبا من الصحة. وهذا صحيح لذا إعتمدوا على هذه الدعاية المجانية لترويج بضاعتهم. بدلا من تخفيض ثمن الكتاب ليناسب الجميع .
إن المطالعة تقاس بالطبقة الإجتماعية المتوسطة، فكلما إتسعت هذه الطبقة، توسع رواج الكتاب. غير أن الركود عن قراءة الكتاب له أسباب ومسببات.. وأشير هنا إلى أن السبب الرئيسي -حسب وجهة نظري المتواضعة- لعزوفنا عن مطالعة الكتاب، يتعلق بضعف الدخل الفردي وحده، خلافا لما تذهب إليه تأملات البعض .
فهل السبب هو الدخل!؟ أم أن الحقيقة تقول أن هناك عوامل كثيرة وملابسات عديدة تقف وراء أزمة قراءة الكتاب عندنا ؟
لنتفاعل مع الموضوع شيئا ما ولننزل بالحوار إلى الواقع على الأرض .
فمن الناذر ألا ترى في الشارع العربي وأقصد المقهى العربي، الزوار إلا وهم صحبة كأس شاي أو فنجان قهوى.. يمكن للإنسان العربي من إستعراض صحيفتين يوميا. وبحساب بسيط إقتناء صحيفتين يغطي ثمن كأس أو فنجان. علما أن المقهى هي مأوى المواطن العربي. فهي : الصالون - المنزل. طبعا ثمة عيب عندنا وهو أنه لايوجد عندنا تقليد "للجريدة" التي يجد فيها القارئ مبتغاه مهما تعددت إهتماماته ورغباته .
إذن : فهي مطالبة بتنويع المواضيع من غير الأحداث على الأرض للإستزادة المعرفية لهذا الشعب المذكور .
هناك كتب نقرأها بالفعل. فطلبة الجامعات يقتنون كتب أساتذتهم بمحض الإرادة للإستزادة في العلم والمعرفة، أو قهرا حيث يربط بعض الأساتذة بين إقتناء كتبهم والتنقيط. وثمة كتب أخرى نقرأه أيضا. وهي الكتب التي يجري عرضها في الصحف.. وغالبية الكتب المعروضة تكون مترجمة. وهي تتنوع بين السير الذاتية للقادة السياسين أو العسكريين أو النجوم، أو كتب خاصة مثل القصص القصيرة. على أن سر الإختيار يكون دائما هو التشويق. هذا التشويق الذي يحتاجه القراء. يجعلهم يتهافتون على الصحف .

الجمعة، 8 ديسمبر 2006

أعز من ولدي

بينما كنت أضع في خزينة المصلحة.. رزم الأوراق المالية بعد عودتي من المتجر.. تجسم أمام عيني صورة الشيطان وهو يوسوس، وكأنه يشير بأصبعه ويدفعني لأخد أي مبلغ. أستطيع به السفر إلى الرباط وإعطاء أختي ما يسد بعض إلتزامات علاجها، بعد أن علمت من خلال سطور زوجها الذي أفضى فيه إلى بمرضها ...
كنت مترددا بشدة ..
ولكن للأسف حققت رغبة الشيطان، وإمتدت يدي وأخدت جملة من المال.. وبلا إرادة إمتدت يدي للمحمول طالبا إستعلامات محطة القطار ..
وإستعلمت عن موعد القطار الذاهب إلى الرباط، ونظرت إلى ساعتي، لم يكن في الوقت متسع إلا ساعة واحدة ..
** ** **
وسافرت إلى الرباط ..
ووصلت إلى البيت وطاف حولي شبح زوج أختي الذي تركت له الرباط كلها لأكسب عيشي بعيدا عنه بأن حصلت على شهادة إتمام الدراسة الثانوية لأنجو من سيطرته ونقمته على بسبب تفوقي في دراستي عن.. إبنه هو ..
وإلتقيت بأختي المريضة.. وجلست إليها ..
ومرت ساعة كأنها لحظة ..
وقبل إنصرافي من البيت لألحق بقطار الليل.. قبلت أختي طالبا لها الشفاء، متمنيا لها الصحة والعافية، ووضعت دون أن تشعر المبلغ.. إياه.. تحت وسادتها ..
** ** **
في الصباح ..
إستيقظت على طرقات باب منزلي ..
كان الطارق ساعي المصلحة.. وإستدعاني لأمر هام لمقابلة السيد المدير العام.. وفي الطريق ..
تزاحمت الأسئلة أمام عيني التي لم أجد لها جوابا ..
وأمام المدير العام ..
عرفت سبب الإستدعاء .
كان المراقب الذي يقوم بحراسة مبنى المصلحة ليلا قد أبلغ معاون قسم الشرطة بأنه عند مروره على غرفة الخزينة لم يجد الضوء الأحمر، من أجل هذا قام معاون القسم بدوره في المساء بإستخدام الضوء الأحمر للغرفة بمعرفته حتى الصباح لتكوين لجنة تحقيق تحت رئاسة المصلحة ..
وعندما عرفت ذلك.. عادت بي الذاكرة إلى أمس عندما أخدت المبلغ وإتصالي بمحطة القطار، وكان الوقت ضيقا ولا متسع فيه، لذا غادرت الغرفة مسرعا دون أن أقوم بإستخدام علامة الأمان ..
وإنقبض قلبي، وإزداد إنقباضه أكثر، فأكثر، وشعرت بدقاته تتسارع ..
وغرقت في دوامة مملوءة بالحيرى ..
ولا أعرف ماذا أفعل.. ولا كيف أتصرف ..
وتكونت لجنة التحقيق ..
وفتحت الغرفة تحت نظر المعاون ورئيس اللجنة ..
ثم سرت في خطوات بطيئة نحو الخزينة ..
كنت أسير كأنني أساق إلى ساحة الإعدام ..
وأخرجت بيدي المرتجفة من جيبي مفتاح الخزينة ..
ثم وضعته في ثقب الخزينة وأدرته ..
وفتحت ..
وبدأ العد ..
وكشف الإختلاس ..
وفي التحقيق تجمدت الكلمات على شفتي من رهبة الموقف، ولم أشعر إلا والمحقق يقول لي :
- لك مهلة لمدة 24 ساعة.. تصرف فيها وحاول أن تدفع المبلغ بأي طريقة حتى لايضيع مستقبلك ..
قالها بصوت هادئ أراحني نفسيا ..
وفي تلك الليلة لم يرى جفني النوم.. فكلما حاولت أن أغمض عيني تماثلت أمامهما ما يخيفني ويرعبني.. فلقد حاولت كثيرا أن أجد من يقرضني هذا المبلغ فلم أتمكن ..
** ** **
في الصباح اليوم التالي ذهبت إلى عملي ..
لم أكن بالفعل قد دبرت المبلغ المختلس.. وجئت لكي أساق إلى السجن لأنال ما أستحقه من العقوبة ..
وبينما كنت أشكر زميل لي.. كنت بالأمس كلفته بتدبير المبلغ.. فقابلني معتذرا وآسفا لعدم إستطاعته.. رأيته، رأيت ذلك الإنسان الذي أحال حياتي جحيما ..
رأيته بالفعل.. رأيت زوج أختي ولم أكن أعرف سبب مجيئه في هذا الصباح ..
وقبل أن أصافحه بادرته قائلا :
- كيف حال أختي ؟
- بخير والحمد لله ..
وأخدت نفسا عميقا بعد ذلك.. وحمت الله ..
وقبل أن أكمل حديثي معه إستدعاني المدير العام ..
وعندما إستأذنت منه.. دس في يدي المبلغ ..
ودهشت ..
وأفقت عندما ربت على كتفي قائلا :
- أسرع وإدفع المبلغ قبل أن يفوت الأوان.. وإني في إنتظارك ..
** ** **
في المساء كنت أجلس مع زوج أختي في منزلي أحتسي معه الشاي، وبعد أن إنتهى من فنجانه وضعه على الطاولة، وإعتدل في جلسته وأطرق قليلا ثم قال لي بصوت خافت :
- أتعرف أنني منذ أسبوع وأنا هنا في مراكش.. وخشيت أن أقابلك لأخبرك عن مرض أختك فتقابلني مقابلة لا أرضاها.. لذا فلقد أرسلت لك تلك الرسالة حتى لا أواجهك وجها لوجه ..
وبينما كنت أتصل بأختك ككل ليلة من مراكش لأستفسر عن صحتها وعلمت منها أنك سافرت إليها وتركت لها عشر آلاف درهم لتدبير أمورها.. ولذلك أسرعت إليك لأرد لك هذا المبلغ الكبير بالنسبة لك كمستخدم بسيط مؤقت، وقبل أن تتأزم أمورك، ويصعب حلها ..
وبينما كنت أنتظرك بالمكتب.. سمعت همهمة بعض زملائك وهم يرثون لحالك وعن المبلغ المختلس من خزينتك.. وعلمت حينئد أن المبلغ الذي تركته لأختك هو نفس المبلغ الناقص من خزينتك ..
لقد أرسلني الله في الوقت المناسب.. لكي أنجيك من العقوبة التي كنت ستتحملها في سبيل أن تثبت لي أنك أصبحت رجلا.. فمن أجل هذا إرتفع قدرك عندي ..
وأرجو يابني أن تزيح عن عينيك تلك الغشاوة التي رانت على قلبك وأزح هذا السور الذي أقيم بيني وبينك ..
وإنسى الماضي.. فالماضي لن يعود .

الجمعة، 1 ديسمبر 2006

التعليقات في المدونات العربية

القلم وسيلة الكاتب في تسجيل أفكاره وخواطره، والكتابة تهشيم للعالم، وإعادة بنائه من جديد حسب اولان بارت، فهي عتبة لدخول عوالم الأديب المنسية، وفي آن واحد نور مضيء وعترة نقية لكتاب وصناع أعمدة بكلمة تشد قلوب الناس إليهم .
أومن كغيري من القراء، بأن النص المطلق والكامل لم يولد بعد، كما أعتقد بأن لكل نص قارئه. فأساليب الكتابة تختلف بإختلاف الزمان والمكان والمبدعين أنفسهم. ويقال إن أسلوب المدون هو المدون نفسه .
(ومنهم من يستمع إليك)، (يرضونك بأفواههم وتأبى قلوبهم)، يطلقون عنان أقلامهم لتسود صفحات أعمدتهم، مسترشدين في ذلك ((الموهبة)) و ((الخبرة)) . ((الثقافة))، إنه ..
إنه -حسب إيماننا- مجهود فكري وذهني معا، يوازيه بالمقابل مجهود آخر متوار لايكشف عنه إلا حينما يتعلق الأمر بنقد لاذع، أو تعليقات صارمة في معالجة الموضوع لاترحم كاتبها ((المدون))، خصوصا إذا كان ملتزما بإدراجات يومية أو عمود أسبوعي ..
حديثنا عن التعليقات يتشعب، ويتخد سبلا وشعابا وطرقا... فكم من مدون وكاتب عمود تثور ثائرته حينما يجد هجوما من قبل أحد قرائه في باب التعليقات.. يمكن أن ينزل بسرعة بمستوى الحوار إلى أدناه. أو معلق متعالي أو تعليقا جارحة. يمكن أيضا أن تخلي بالمبنى والمعنى .
قد يفرد تعليق إفتزازي أو جارح أجنحته ليستقر في إدراج بعضهم أو مقالة كتبت على مضض، فالقراء لن يكونوا موضوعيين حين يكون المدون أو الكاتب غير موضوعي، والتعليقات كذلك قد تنسي المدون مجهود نفسه حين يضطر إلى كبح غضبه بالرد العنيف وهو الذي إستنفر جميع حواسه ليتحاشى هذا العتاب المر. فلا يستفيق إلا وقد سبق السيف العذل وإنصرف معظم قرائه عن مدونته .
الكلام البذيء من صاحب المدونة أعظم وأشد وقعا ليس على المقصود به وإنما أولائك الأشخاص الجيدون في النقاش المتصفون بالود والسمعة وسعة المعلومات وغزارتها. الذين سوف يعلنون الحسم في مغادرة (المدونة) فقد سقط ( المدون) في الشباك بسبب رده على تلك التعليقات .
خليق بالمدون عدم الإلتفات إلى هذه التعليقات السالفة الذكر. أو توجيه كاتبها إلى الصواب بنقاش مثمر بناء، أو بعتاب جميل وبأحسن الألفاظ والتعبير، كاتما الغيظ، فالخطأ أولا وأخيرا إنساني .
فتحية للمدونين الذين يحترقون من أجل قرائهم .
وتحية أيضا للمقاليين والموضوعين المتنورين .
والذين يسهرون على مشاغل الكتابة لنشرها في مدونتهم في أروع عطاء .

الجمعة، 24 نوفمبر 2006

ظاهرة الكتابة النقدية

ظاهرة الكتابة عن الإصدارات الثقافية حديثة الصدور، أصبحت من الكثرة والشيوع بحيث إفتقد معظمها طابع الإثقان والتأني. فلا تخلوا صحيفة أو مجلة أدبية من مثل هذه المراجعات أو الإشارات السريعة التي لا تشير في الغالب إلا إلى وجهة نظر صاحبها فيما إستجابت له حواسه لما قرأ.
وقد يكون هذا بالأمر الإعتيادي والمشروع لو أن هذه الظاهرة قد إلتقت من إحدى الزوايا بالتحليل طورا وبالنقد طورا أخرى. لكنها تتم ويتسع مداها في الوقت الذي إختفت فيه التحليلات النقدية التي كنا نستأنس بها في السابق، والتي كانت أعطت للعمل العربي أبعاده ودلالته بتحليل عناصره من جميع الجوانب.
فهل لغياب العملية النقدية المتعمقة دور في إعلاء الظاهرة وإعطائها أكثر مما تستحق؟ ..
وإذا كان هذا هو الصحيح فما موقف النقاد إذن من النقد الذي لا زال يعاني من صمت أغلب الأصوات النقدية المتميزة..؟
هناك الكثير من الأدباء كتبت عن النقد الأدبي للكثير من الأعمال الأدبية جعلت الكثير من المقاييس تتغير كمشكلة موقف توفيق الحكيم. فما البديل إذن؟ ..
إننا بحاجة ملحة الآن إلى موقف نقدي أشبه بصرخة الإحتجاج العالية حفاظا على المعطيات الإبداعية. وبحاجة أيضا إلى إعادة النظر فيما هو سائد الآن من نقاد يحاولون الحصول على الإنتشار الإعلامي وهذا الأمر كان على حساب النوع في العطاء ..

الجمعة، 17 نوفمبر 2006

الإختيار العربي

هناك مسألة تحيرني، ولاشك أنها تدفع الكثيرين غيري إلى الحيرة : ما الذي يحدد الإختيار الثقافي العربي من الأمم الأخرى؟ لماذا أولى العرب كل هذا الإهتمام لأرسطو وأفلوطين في العصر العباسي بينما تجاهلوا هوميروس و أسخيلوس ويوربيديس وسوفوكليس؟ لماذا ترجموا أقاصيص من تلك التي نجد بعضها في (كليلة ودمنة) لإبن المقفع و(ألف ليلة وليلة) ولم يترجموا الإلياذة والأوديسة؟
وإذا ما إنتقلنا إلى العصر الحديث لنا أيضا أن نتساءل عن سبب إختيارات رفاعة الطهطاوي، وعن السبب الذي جعل طه حسين يتجاهل مدارس النقد الفرنسية ويكتفي بسانت بيف وتين.
لماذا إهتم طه حسين بجيرور ككاتب مسرحي بينما أغفل تشيكو وغيره.
وإننا لنشعر بالدهشة أكبر لهذا الإختيار العربي. ما الذي جعل الأدباء العرب يحصرون أنفسهم في إختيار وحيد : المحاكات ـ المدرسة ـ التأثر ـ الإستفادة من الأدب الأوربي وحسب؟
لماذا إبتعدوا أو أداروا ظهرهم تماما عن الإختيارات الأخرى؟ وهنا نصل إلى فكرة أدباء عرب مثقفون يجتمعون على خصائص الوطن وخصوصيته.
ومن يخون هذا التحديد يخون الإختيار العربي وثقافته هو.
إن الإختيار الثقافي العربي وأولوياته يتمثل في أدبائنا العرب وأدبائنا العرب يتمثلون في الإختيار العربي. دعونا نعود الآن إلى موضوعنا، ولنجعله إجابة عن السؤال التالي : لماذا لايمتلك الأدباء جرأة لإنعاش الإختيار الثقافي العربي. عندما يكون الأديب العربي حرا في إختياره..؟

الجمعة، 10 نوفمبر 2006

رياح ((الوعي الزائف))

ما أكثر اللحظات التي يشعر فيها الكاتب بالعجز؟
أي كاتب؟
وأي عجز؟
* * *
من يكتفي بوصف مايجري من أحداث وأخبار في حدود حلقة مصغرة، ليست لديه مشكلة، حتى ولو قيل له إن الحلقة المصغرة واضحة الصورة وأن الصورة الناجحة هي التي تعتمد على ((زاوية)) مانسميها نحن بوجهة نظر .
ومن يكتفي برؤية الماضي، كأنه في زيارة قصيرة أو طويلة لمتحف آثار تاريخي أو طبيعي أو سياسي أو إجتماعي أو ثقافي، هو الآخر ليست لديه المشكلة، حتى ولو قيل له إن التاريخ هو الماضي والحاضر هو المستقبل، وأن ((رؤية)) الماضي تدل على موقعك في الحاضر وموقفك من المستقبل .
ومن يكتفي، أصلا بالقول إن هذا الحديث أو ذاك لا يخصه، فهو ليس سياسيا إذا كان للحدث علاقة بالسياسة، وهو ليس مثقفا إذا كان للحدث علاقة بالثقافة، وهو ليس إجتماعيا إذا كان للحدث علاقة بالمجتمع. إنه، هو أيضا، ليست لديه مشكلة، حتى ولو قيل له إن الحواجز وهمية بين السياسة والثقافة والمجتمع، وأن هدفك الثقافي يدل على مرماك السياسي.
* * *
هذا ((الكاتب)) لايعجز عن فعل الكتابة، ولكن الأخيرة حين تنفصل فيها الذات عن الموضوع والذات عن الذات، والموضوع عن الموضوع.
تصبح الكتابة من هذا النوع، كبناء البيت للآخرين، أهم ما فيه الحصول على الأجرة، وليس الجمال أو راحة السكان. إنها الكتابة المجانية، وصاحبها لا يشعر مطلقا بالعجزـ طالما أنه ((يجيد)) الكتابة، أي طالما ((يحترفها)).
إنه لا ينشغل بمصادر الكتابة، ولا إلى أين تؤول، فهو يستطيع أن يكتب عن الماء والنار بالدرجة ذاتها من ((الموهبة)) و ((الخبرة)) و ((الثقافة)).
هذا النوع من الكتابة يجد آلاف المبررات ((للعزلة)) والتعالي على المشكلات ((العابرة)) كمشكلات الحياة اليومية للإنسان ((العادي)).
وقد لايعي غالبا -أو يعي مع وقف التنفيد- أن الكتابة تحت أي عنوان (أو تخصص) لها جذور، ولها وظائف، ولها أزمات وأحلام وإحباطات، وقد يعرف صاحبها ((العجز)) أو ((الفرح)).. فالكاتب الحقيقي، يدرك أن الكتابة شبكة من الوعي أو اللاوعي، وأن الصراع في معناه الحقيقي النهائي هو مواجهة الكاتب للوعي الزائف.
عندما يرى الكاتب نفسه طرفا في المواجهة، قد يشعر أحيانا بالعجز.
لماذا الشعور بالعجز؟
لأن ((مقاومة الوعي)) تمضي في أرض لا تملكها، أما الوعي الزائف، فهو يترسخ يوما بعد يوم في أرض خصبة.

الجمعة، 3 نوفمبر 2006

خطأ الحكم بالمظاهر

كنا أربعة من طلاب الثانوية نستقل عربية أجرة، ذات يوم حار من أيام صيف مراكش القائض، عندما أشار أحد المارة للسائق الذي توقف وفتح باب السيارة ليدلف للداخل، ويأخد مكانه بجانبنا، رجل من العامة رث الثياب باليها، نحيل الجسم، معروق اليدين، تفوح من قميصه رائحة التراب المختلط بالعرق، أما العمامة التي يلبسها، فقد أكل عليها الدهر وشرب وطمس الزمن لونها الأصلي فاستحالت إلى لون أحمر داكن، ولم يكن حذاؤه بأحسن حال.
ولولا أن العربة كانت أجرة عامة، لكان وجود هذا الرجل غريبا بيننا، لاسيما وقد كان الزملاء في ملابس أوربية أنيقة تفوح منها روائح العطور الراقية.. إستأنفت السيارة سيرها وواصلنا ما إنقطع من حديثنا، وكان شتاتا من السياسة والفلسفة والأدب، فمن الكلاسيكية إلى وجود الله مرورا بآخر مستجدات عالم الإنترنت !.
وقد ظل رفيقنا-كما كان متوقعا- صامتا، إذ لم يكن في مقدوره أن يشارك في مثل هذه الأحاديث والتي بدت له-كما يخيل لي- ألغزا معقدة وطلاسيم صعبة الفهم، ولم أستطع والحق يقال أن أحول دون شعور طاغ بالشفقة تملكني أزاء الرجل. وتساءلت في نفسي، كم هو محروم هذا الإنسان، وهو بعيد هكذا عن عوالمنا الجميلة المزدانة بما تلقيناه وإكتسبناه من ضروب الثقافة والفكر في مجالات المعرفة الممنهجة في تعليمنا والترات الإنساني.. ترى كيف يحسب مثل هذا الرجل معاصرا في القرن الحادي والعشرين ، وهو يعيش على هوامشه، كيف يتفق ذلك وهو لم يسمع بسارتر وديكارت ولم يقرأ عن إبن خلدون ولم يقتني ديوانا للمتنبي؟.
وبينما أنا غارق في تأملاتي تلك، إذا بي أنتبه فجأة على صوت صرير، وإرتطام جسم بأرضية الشارع الصلبة، وتوقفت السيارة بغثة لنرى مشهدا مزعجا.. كانت السيارة التي تتقدمنا قد أنحرفت عن الطريق بعد أن صدمت بعنف صبيا صغيرا هوى إلى الأرض والدماء تسيل من رأسه، وعلى الجانب الآخر من الشارع، وقفت إمرأة وبنت صغيرة تولولان وتصرخان في هستريا وعصبية. هبطنا من السيارة بسرعة لنكتشف أن الصبي حاول عبور الشارع قبل أمه وأخته، فدهسته السيارة المسرعة.
تجمع أربعتنا حول الصبي الملقى على الأرض، ومرت لحظات رهيبة حرنا فيها في أمرنا، وكيف نتصرف.. كان الفعل الدرامي مفاجأة لنا، وثم في سرعة ولم يكن بمسرح الحادث سوانا، وظللنا نتبادل النظرات الحيرى، دون أن نعرف ماذا نفعل، وصراخ الأم يمزق الفضاء من حولنا، كما أن مشهد الدماء الغزيرة وهي تنزف من الصبي كان مشهدا مروعا بالنسبة لنا.. وتبينا أنها المرة الأولى التي نجد فيها أنفسنا وجها لوجه مع موقف صعب كهذا.
وفي ثوان تبخر في الهواء، كل ماتعلمناه عبر الدروس التي تلقيناها وإختفت في لمح البصر أكداس الكتب والمراجع العديدة التي إلتهمنها في سنين الدراسة، إذ لم يكن فيها مايضئ طريقنا في تلك اللحظة.
لكن محنتنا لم تطل إذ لم نكن وحدنا، وقد إندفع الرجل ذو الثياب الرثة نحو السائق الذي تسبب في الحادث، وكان على وشك أن يلوذ بالفرار، فأمسك به، ونزع مفتاح سيارته ثم نادى أحدنا وطلب منه أن يقف مع السائق الجاني لحين وصول الشرطة، بعد أن كلف آخر بإستدعائها، ثم عاد بسرعة للشارع ورفع الصبي، وكان حيا يتحرك، وأرقده داخل سيارتنا، وتناول منديلي وربط به الجرح، ثم أرقد الصبي بطريقة معينة على المقعد الخلفي، وطلب من الأم، أن تكف عن الصراخ، وهدأ من روعها، ثم إصطحبها وإبنتها وأمر السائق أن يتوجه إلى أقرب مستشفى بأسرع ما يمكن.
جرى كل هذا بسرعة وفي لمح البصر.. وعبر وقت وجيز من الزمن، ظل فيها الرجل الذي إستصغرنا من شأنه هو سيد الموقف بلا منازع.. هزمنا جميعا، وهزم معنا كل ما نمثله من نظريات وشكليات.. وإنتصر هو بخبرته العملية، ومعرفته للحياة، وكيفية التعامل مع ظروفها المستجدة وحوادثها الطارئة.
لقد كان صاحبنا صغيرا، وهامشيا، عندما كان الموقف نظريا وجدليا، ولكنه كبر فجأة، وبزنا جميعا عندما حان وقت العمل.
ورغم ذلك لم أمنع نفسي من إستحضار قول الشاعر:
ترى الرجل النحيل فتزدريه *** وفي أثوابه أسد هصور

الجمعة، 27 أكتوبر 2006

تعليق على المدونات في التدوين العربي

لم أفهم حتى الآن ما السبب في نشر تدوينات أو إدراجات سمها بما شئت دون تحديد هدفها؟ هل هي لغز لتسلية القراء بالإجابة عليه؟ أم هناك هدف آخر يقصده صاحب الإدراج، وأعني ((المدون)) وما اتضح لي من قراءة لعديد من المدونات هو أن هناك الكثيرين -إلا من رحم ربي- ممن يحاولون تضييع الوقت في الكتابة، لأن عندهم فراغا فيتسلون بالكتابة دون الإهتمام بموضوع ما أو معلومات تفيد القراء. فهم يكتبون ثم يقومون بنشر تدويناتهم دون التأكد من الغرض منها وبهذه التدوينات البائخة يأخدون فراغا كبيرا من مدونتهم. كما اني على ثقة من أن مثل هذه المقالات لا تلقي من ينظر إليها من القراء مجرد نظرة ولا أحد يهتم بمثل هذه التدوينات المملة والتي تؤدي إلى المغص .
والذين يكتبون مثل هذه المقالات هم بحد ذاتهم مستهترون بـ((التدوين)) وبعالمه الجيد الطيب ولو أن مثل هذه التدوينات تهمل وتلقى في سلة المهملات لكان خيرا ((للمدون)) من نشرها ليكتب بدلا عنها أي موضوع علمي يفيد القراء. سوف يشكر ((المدون)) على هذا التصرف الصحيح. أما المتطفلون على التدوين لنشر ما يكتبون فالأحرى أن ترسل له دروس ثقافية أو أخلاقية ليعرفوا ما يكتبون وما يصح أن ينشر في المدونات وليس أي خبر صالح للنشر، لأنهم في الواقع لا يهدفون من مساهماتهم شيئا غير تدوين قصة حياتهم أو كيف يأكلون ويشربون وهذا لا يهم أي قارئ، أو لأنهم يكتبون ليعرفوا القراء بأنهم يعرفون كتابة الحوار الشخصي الذي قد يدور بينه وبين أي شخص آخر وهذا أيضا لايهم. فمثل هذه المواضيع خسارة أن تأخد فراغا على صفحة ((المدونة)) وخسارة حتى الملمس التي تكتب به وجهود كاتبها فلو نشر إعلان عن كتب منشورة على الشبكة بدلا عنها لكان أنفع للقارئ ولـ((التدوين)) بصفة عامة. أرجو أن يوضع حد لمثل لهذا. وللذين ينشرون أي كلام من مذكراتهم اليومية التي يحملونها. فهم لا يستحقوا أن يكون لهم قراءا أصدقاء لأنهم ليسوا أوفياء لهم في إختيار المواضيع المفيدة .
وكان الأحرى أن تحول تدويناتهم على محلل نفساني ليعرف نفسية أصحابها وحل عقدهم والذين لا يهتمون إلا بالثرثرة الفارغة وشكرا .
إني على ثقة من أن مثل هذا الإقتراح قد يجعل القراء يعيدون النظر في إختيار تدويناتهم والتأكد من صالحة للنشر. وحتى يتسنى لنا أن نفيد ونستفيد .
آمل أن تجد تصوراتي هذه آذانا صاغية، واعية بما ينتظر ثقافتنا من تحديات، وفي سبيل مصلحة التدوين العربي عامة . تحية تقدير لكل المهتمين على نشر التوعية. وللمدونين زيادة الدعم الجانب الأخلاقي والثقافي. وشكرا مرة أخرى .

الجمعة، 20 أكتوبر 2006

عيد الفطر في الأدب العربي

كما ألهم شهر رمضان الكريم نفوس الشعراء ووجدانهم بما يثير فيهم من سمو روحي وحب للخير والبر والتقوى، كذلك نجد أن عيد الفطر أنتج أدبا غزيرا وشعرا خصيبا في أغراض لم تكن موجودة في الشعر العربي القديم. وأعني بذلك شعر التهاني والتبريكات الذي كان الشعراء العظام يرفعونه إلى الخلفاء والأصدقاء والأهل والأحباب. وهذا الشعر وإن كان إمتدادا للمديح إلا أنه يختلف عنه في أنه يقترن بأفكار وقيم إسلامية وعادات إجتماعية .
فزكاة العيد من أجل المبادئ الإجتماعية التي شرعها الإسلام فريضة تناهض السلبية والفردية في الحياة فتجعل من المواطن إنسانا إجتماعيا يحس بحركة المجتمع ويحس بآلام الآخرين وواقعهم. والزكاة فوق ذلك تأتي بتوازن يحس فيه الفقير بأنه غير مهمل أو منسي ويحس فيه الغني بلذة الرحمة وشعور التعاطف والتضامن مع إخوانه. فيها تدعم المودة والألفة بين الناس. وإستمع إلى قول أحدهم :
هذا العيد فلتصف النفوس به // وبذلك الخير فيه خير ما صنعا
أيامه موسم للبر نزرعه وعند // ربي يجني المرء ما زرعا
تعهدوا الناس فيه: من أضربه // ريب الزمان، ومن كانوا لكم تبعا
وبددوا عن ذو القربى شجونهم // دعا الإله لهذا والرسول معا
وقيل أيضا :
وبإسمك عزت في الخطاب منابر // بأسعد عيد عاد بالسعد أو الفطر
ولاح لنا فيه هلال كأنه // يشير بفتح منك أشرق بالبشر
وأسفر عن زهر النجوم // كأنها جبينك من خلائق الزهر
إن الشعر الذي قيل في موسم عيد الفطر في التهاني كثير لا سبيل لحصره ولا يخلو من نفاق أو مبالغة في بعض الأحيان. وإستمع على سبيل المثال إلى قول المتنبي يهنىء سيف الدولة :
الصوم والفطر والأعياد والعصر// منيرة حتى الشمس والقمر
ترى الاهلة وجها عم نائله // فما يخص به من دونها البشر
ما الدهر عندك إلا روضة أنف // يامن شمائله في الدهر زهر
وما أن يوشك الشهر الفضيل على الإنتهاء حتى تبدأ الإستعدادات لكعك العيد بين الأهل وعرض الموائد من ألوان الطعام.
وهنا أتذكر قولة الشاعر عبد الله بن المعتز حيث يقول :
قد إنقضت دولة الصيام وقد // بشر سقم الهلال بالعيد
يتلو الثريا كفاه شره // يفتح فاه لأكل العنقود
فالبيتين يعكسان الأثر النفسي الذي يؤثر على الشاعر فهو يتمنى سرعة زوال شهر رمضان وبداية عيد الفطر، بداية عرض الموائد المختلفة الأشكال والألوان من صنوف الأكل والحلوى والشرب.
ومن طريف ما يروى أن احدهم كان يحذر الناس من أضرار أكل الكعك، بسبب الميزانية الضخمة لإعداد كعك العيد ـ
يقول:
إن كنت تسمع نصيحتي والنصيحة تفيد // قلل من الأكل ما أمكن بدون ترديد
وأكل الكعك بعد الصوم نهار العيد // يجيب عيا للكبد وتخسر المعدة
وكل مايزيد دسم يكبر ضرر ويزيد
حسبنا أن نعلم أن ملايين الدراهم تنفق كل عام في كل بلد عربي على كعك العيد وأخته الغريبة. فقد صدق صاحبنا بنصائحه. فالتكاليف ثقال.
كل الكعك في العيد فليس الضرر إلا في الجيب
يقول الشاعر علي الجندي:
ما الكعك أن احطت به خبرا // سوى محنة لها أذيال
ومهما يكن من أمر فرغم ثقل التكاليف فالعيد يمر بالسعد والغبطة والإقبال على ما لذ وطاب.
عيدكم مبارك سعيد. وكل عام وأنتم بخير.

الجمعة، 13 أكتوبر 2006

الشهر الفضيل لنا لقاء

أيام قلائل وينقضي الشهر الفضيل، سيفارقنا حاملا معه صحائف أعمالنا التي نرجو أن يكون قد حفلت بالطاعات، وازدحمت بالحسنات، وأرضت عنا رب الكائنات .
فيا هناءة من صام رمضان، ويا سعادة من قام لياليه، ويا هناءة من أكثر فيه من تلاوة القرآن وذكر الرحمن، ويا سعادة من ضاعف فيه العمل الصالح، وضاعف فيه الصلة والصدقة، وضاعف فيه البر والإحسان .
فهنيئا لكم -أيها المؤمنون- مغفرة الله، وهنيئا لكم رضوان الله .
سينقضي رمضان، وليس معنى ذلك أن نتفلت من فرائض الدين وندع الصلاة والعبادة، ونعود إلى المعاصي والموبقات وكأن الله حاضر في رمضان غائب فيما سواه .
إن رب رمضان هو رب سائر الشهور، ونحن عبيد اله في رمضان وغيره. والله في كل حين يستحق أن يطاع فلا يعصى، ويستأهل أن يذكر فلا ينسى، وسيستحق أن يشكر ولا يكفر .
ولا يليق بنا -أحباب الله- أن نطيع الله في رمضان ونعصيه في بقية الشهور بينما نعمه تتدفق علينا آناء الليل وأطراف النهار : {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان . فبأي ءلاء ربكما تكذبان} .
لا بشيء من نعمك ربنا نكذبك فلك الحمد والشكر. إن الهدف من الصيام هو زرع التقوى في القلوب، وإصلاح النفوس، وتهذيب الأخلاق، والتوبة عن المعاصي، والإستقامة على الطاعات، وإبتداء عهد جديد في حياة المسلم. ولذلك فإننا ينبغي أن نحافظ على تقوى رمضان، وروحانية رمضان، وعبادة رمضان، وصدقة رمضان، وصلة رمضان، وإحسان رمضان، وأخلاق رمضان .
جدير بنا في هذا الشهر الفضيل أن نحمد الله الذي أعاننا على الصيام، وقوانا على القيام، وأعاننا على الطاعات، ووعدنا عليها أعظم الجزاء، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وما كنا لنصوم لولا ان أعننا الله .
خليق بنا في هذا الشهر الكريم أن نحمد الله على نعمة الإسلام، ونعمة الإيمان، ونعمة بعثة محمد عليه الصلاة والسلام، ونعمة تنزيل القرآن .
حري بنا في هذا الشهر العظيم أن نشكر الله على شرعة الصيام التي جعلها فرصة للتطهير من الذنوب والآثام، والفوز بالمغفرة ودار السلام .
تقبل الله منا ومنكم .

الجمعة، 6 أكتوبر 2006

فلسفة الصيام

نحمد الله الذي فرض على عباده الصوم، طهرا لهم وغداءا روحيا يحيون به كيانهم، ونصلي على سيدنا محمد، خير من تقرب إلى الله صائما ومفطرا .
وبما أن الصوم -وهو الكف الإمساك- حرمان النفس من أعظم ماتميل إليه أو تشتهيه، فقد يتبادر إلى الذهن عند بعضنا أسئلة من قبيل: ماذا أستفيد من هذه العبادة على المستوى العملي؟ كيف أجعل صومي سلوكا صاعدا نحو الغايتين الدنيوية والأخروية؟ ماهو تأثيرها على سلوكي اليومي؟ .
إن رسالة ربانية إلهية ما كان لها أن تكون إرتجالية ولا من شأنها التضييق والحد على طاقات الإنسان وتطلعاته، وإنما الغرض -في بداية الأمر ونهايته- تربية النفس وتهذيبها ورفع درجتها وتعويدها على التحرر على شهواتها وملذاتها وتكريم الإنسان وتحمله الآلام ومجانبة المنهيات والموبقات والترفع بها عن مظاهر الحيوانية التي غاية همها الأكل والشرب وإشباع الغريزة .
إن فلسفة الصيام تقوم على حرمان الذات عن الملذات والشهوات والترفع عن كل الأعمال المنافية وتركها المباحات إنما هو وسيلة التريبة وطريقة للتدرب على إتقاء المحرمات وإجتناب الأخلاق المتناقضة مع الدين، ذلك أن من أجاب داعي الله في الرغبات المباحة وأطاع، فهو إلى المحارم أسمع وأطوع .
ويقوم الصوم على أساس إيجاد حالة الشعور بالحرمان في نفس الصائم، وإن كان بإختيار المرء نفسه، فهو يتوخى التذكير والشعور بالتعاطف مع إخوانه الفقراء والمساكين، والتحسيس بآلامهم ومعاناتهم .
ويعد الصوم مظهرا آخرا من مظاهر المساوات في الإسلام، فكما أن الحج لا يميز بين غني ولا فقير لا في الملبس والمظهر ولا في السعي والطواف.. وكما أن الصلاة تخلق حالة الخشوع والخضوع أمام حضرة الخالق جل ذكره، صفا مرصوصا لا إعتبار فيه لعرق أو لون أو غنى.. فإن الصوم كذلك لا يلبث أن يكون مناسبة أخرى يتساوى فيها الجائع الذي يصوم إجبارا طوال العام لا يعرف من الطعام إلا إسمه ولا يذوق منه إلا رسمه، محروم من الملذات مع من تتوفر له كل وسائل اللذة ولكنه غير قادر على التمتع بها .
وتستهدف حالة الحرمان التي يشعر بها الصائم وهو ممنوع من الأكل والشرب والجماع إعداده لمواجهة الصعاب والتحديات الي تعترضه، ويصبح قادرا على ضبط نفسه، والإنتصار على شهوته ونزوات الشيطان، فالأمم من أهل البذخ والترف لا تستطيع أن تواجه المشقات ولاتقوى على الصمود أمام العقبات .
إن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بأولي الألباب والفطر المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة بهم وإحسانا إليهم، وحمية لهم وجنة، وكان هدي الرسول الأعظم فيه أكمل الهدي وأعظم تحصيلا للمقصود وأسهله على النفوس .
فهل نحن صمنا حقا وأدركنا سر الصيام، وتقبلنا المنحة الربانية وإنتفعنا بها..؟

الجمعة، 29 سبتمبر 2006

السحور أهم وجبة للصائم التي تمنع الشعور بالجوع

يعتقد الكثيرين أن الوجبة الرئيسية في شهر رمضان المبارك هي وجبة الإفطار ولكن الأطباء يؤكدون أن وجبة السحور هي الأهم كونها تساعد في كبت مشاعر الجوع وتساعد الفرد على تحمل الصيام .
فالوجبة الرئيسية للإنسان تعني إحتواء الغداء على كميات عالية من العناصر الغدائية الرئيسية وهي البروتينات والدهون والكربوهيدرات وإحتواء وجبة السحور بهذه المواد الرئيسية الثلاث وبشكل متوازن يقلل مشاعر الجوع خلال ساعات الصيام -حسب أطباء الأمراض الصدرية الباطنية-، فإن الوقت اللازم لهضم وإمتصاص الطعام مثل البروتينات والدهون يتراوح بين 6 و 9 ساعات ونحو 4 إلى 6 ساعات بالنسبة للكربوهيدرات، خصوصا النشويات المركبة. وبقاء هذه المواد في الجهاز الهضمي لمدة طويلة يمتع الشعور بالجوع .
إن احتواء وجبة السحور على خليط متوازن من الكربوهيدرات والدهون والبروتين التي تعتبر مصادر الطاقة الأساسية يوفر للجسم أثناء الصيام الطاقة اللازمة للنشاط اليومي سواء في المنزل أو العمل أو المدرسة وذكر أطباء مختصين أنها تمنع الشعور بالكسل والخمول والرغبة في النوم أثناء الصيام، الذي من شأنه زيادة احتمال الإصابة بالسمنة بسبب نقص السعرات الحرارية التي يتم حرقها خلال النهار مقارنة مع الأيام العادية مشيرين إلى أن الإفراط في تناول الطعام أثناء ساعات الإفطار المتصاحب مع الخمول أثناء الصيام يزيد فرصة إكتساب الوزن خلال شهر رمضان .
ويشدد الأطباء على ضرورة تناول كميات معقولة من الفاكهة والخضار في وجبة السحور لأنها تضيف الألياف والفيتامينات والمعادن الضرورية، موضحين أن هذه الألياف تمتص الماء الذي يجري شربه مع الطعام، وبالتالي تمتلئ المعدة بالطعام، ولكن بغداء معتدل وقليل السعرات الحرارية لاسيما أن الألياف والماء معا يساعدان على إمتلاء المعدة والأمعاء بسرعة، وبالتالي عدم الإفراط في تناول الدهون والسكريات .
يبقى أن نعلم أن الإفطار ليس الوجبة الرئيسة التي تمكن الصائم من كبت الجوع. فالسحور أولى وأهم .

الجمعة، 22 سبتمبر 2006

كيف نعيش رمضان

يحل علينا بعد أيام قلائل ضيف عزيز وشهر كريم وموسم عظيم خصه الله على سائر الشهور بالتشريف والتكريم، وأنزل فيه القرآن وفرض صيامه وسن رسول الله "ص" قيامه.
وقد عظمت مكانة شهر رمضان منذ بزوغ الإسلام، بعد أن اقترن بأعظم المعجزات وأكبر الأحداث التي تركت بصماتها على تاريخ الأمة المحمدية والإنسانية جمعاء.
وبلوغ رمضان نعمة كبيرة على من بلغه وقام بحقه، فينبغي أن نصوم إيمانا واحتسابا لا رياء ولا سمعة ولا تقليد الناس أو متابعة لمن حولنا، كي ننال بذلك الفضل والأجر العظيم. ولا يكتمل الصوم إلا بالترفع عن الموبقات وتجنب المكروهات والإكثار من أعمال الخير والبر وتلاوة القرآن والحديث وذكر الله، فبذكر الله تطمئن القلوب.
لذا ينبغي للمسلم الصائم أن يتجنب كل الهفوات ويترفع عن كل الأعمال المنافية للدين والأخلاق المتناقضة مع المغزى الصحيح للصوم، وهو المغزى الذي ينبغي أن يدركه الصائم المسلم.
فشهر رمضان ينبغي أن نستعد له قلبيا ونستقبله بالفرح والسرور والعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه. فهو الشهر المحرم الذي جعله الله ميدانا لعباده يتسابقون إليه بأنواع الطاعات ويتنافسون فيه بأنواع الخيرات، أفنبخل على أنفسنا بالإجتهاد فيه والإكثار من الطاعات والعبادات..؟ .
وفي الأخير ومرة أخرى، يجب أن يعلم الصائم المغزى الحقيقي للصوم ويدرك عظمة شهر رمضان وبركاته ومنزلته وسمو أهدافه، ولا يقصر صومه على تجنب المفطرات، وأن يتجنب الإنغماس في الشهوة، ويصوم عن أعراض الناس ويحفظ اللسان ويتفادى اللغو والسهر والإفراط في الأكل والشرب والتكاسل في العمل. وإنه لمن الإفتراء أن يفرط المرء في الأكل ويسهر طول الليل على الموائد ويقوم الصباح منهوكا متعبا ثم يلصق أسباب ذلك برمضان.
تقبل الله منا صيام هذا الشهر وأتابنا أجزل التواب ورمضان مبارك سعيد.

الجمعة، 15 سبتمبر 2006

حوار لا تعـوزه الصراحة

عن ماذا ستكتب هذا الأسبوع؟
قلبت الأوراق المطروحة على المنضدة.. أعدت قراءتها.. رسائل.. إبداعات.. إستطلاعات.. تأملات، هذا الذي تختزنه الذاكرة من معايشات يومية.. وفي كل ورقة موضوع كبير وربما أكثر.. وكل الأوراق تشترك في بحث موضوع كبير وأكثر أيضا.. لكن هناك موضوع غير موجود أصلا بين الأوراق وأظنه لايطرح عادة، هذا الموضوع الأبدي بات يشكل في مفاهيمنا موضوع جدلي لا شيء .
إنه سؤال الموت!، الذي يعتبره الكثيرين ظاهرة طبيعية تخيف الذات وترعبها. بل لغز محير يدفعنا إلى نسيان الموت أو التسليم بها والركون إلى إجابات قطعية.. حقا ماذا أكتب هذا الأسبوع؟ .
فالموضوع محير.. وسؤال الموت يتأرجح بين الوضوح واللاوضوح. فهذا العالم يعد فضاء مبهما بل لغزا كبيرا لقدر الإنسان .
لقد تطرق بعض الفلاسفة والعلماء المختصين الذين حولوا الموت من حالة إلى موضوع للدراسة والتأمل ..
ولم ينتظر إجابتي. وبادرني عن ماذا ستكتب، عن الموت!!!.. بصراحة، لا أجد فائدة فيما تكتبون .
لماذا؟ .
كتبتم كثيرا.. وكثيرا مما كتبتم عنه لم يزل باقيا.. إن لم يزد عتيا
ألا تؤمن بالتأملات والدراسات.. في حل موضوع ما؟
بلى.. لكن لي فهم للتأملات والدراسات قد لايتطابق وفهمك فأنا أعتقد بتأملات ودراسات مايتعلق بحياتي مباشرة، وليس كموضوعك الذي ليس له معنى، أو بمعنى آخر مادة بدون حركة وهذا غير معقول بقدر ماهي الحركة بدون مادة ..
وحتى.. حسب فهمك هذا للتأملات والدراسات أما ترى أنك قليل الصبر وأن الضروري إستخراج أفكار جديدة تسمح بالتسائل من جديد.. فلو نظرنا الى الموت كمادة فانية، لوجدنا مفارقة عظيمة بين الإحساس بالغربة والفزع تجاه الخطاب حول الموت التي تطارد كل واحد منا من جهة وواقية هذه الظاهرة التي يتكرر حدوثها بشكل عيني .
لست وحدي من خدله الصبر.. فهذه طبيعتنا كجنس بشري!! .
يتضح الآن بجلاء أن خطاب الموت يثقل كاهل العقل ويفرض ذاته على فكر المتأمل أو الإنسان العادي ولو بدرجات.. وعلينا أن ننطلق من فهم أن الموت لايمكن أن يبعد مطلقا عن هاجس فكر الإنسان، بإعتبار الأخير ذاتا للموت. وبالتالي نرى بوضوح أكثر الجوانب كلها، وحتى وقع هذا الذي تسميه مادة بدون حركة يكون له منحى مغاير ويجعله مثار نقاش لا نهائي .
تم تأمل جيدا.. من الذي يجعل سؤال الموت يظل مهمشا إجتماعيا ومن الذي جعل هذا العالم محددا. أليسوا من هذا الجنس البشري.. إنهم أنا وأنت وهو وهي.. إننا يجب أن نقول الحقيقة كاملة مالنا وما علينا، ونكشف هذا التحديد، ونعرف أن شروط وعلل الموت متباينة وليست موحدة بالرغم مما يبدو سطحيا. وسنرى .
وهدأ صاحبي.. ودمدم بكلمات خافتة.. (ماتقوله صحيح ولكن..) .
حين تنجلي الغيمة تماما من أمام عينك ستنجلي معها الــ((لكن)) هذه أيضا ...

الجمعة، 8 سبتمبر 2006

عبر كاتم الصوت

العالم هادئ، غارق في سواد ليله، لاأحد إذن سيفسد عني السكينة التي إسترخت طائعة لنظام الكون، فلا يسمع خلالها إلا الموسيقى الهادئة.. النجوم أتمت ولاءها للبدر، وضوءها الذي كانت تملأ به الظلام، بدأ يخبو معلنا إنتهاء الحفل، والضباب يحجب إنسحابها مخالطا عظمة هذا الليل....
تأهبت للخروج لممارسة الرياضة كما هي عادتي دائما في الصباح الباكر، هيأت نفسي ولبست حذائي الرياضي، وغادرت البيت بإتجاه الساحة العامة .
تملكني رغبة شديدة في العدو.. فإستمرت أعدو حتى إهتز قلبي بنبضات قوية، وجف ريقي من زفرات متقطعة، جاء الصباح كاشفا عن كل شئ، فبدأت الشمس تنتشر أنوارها ودفئها الجميل وتنشر غسيلها على سطوح المنازل والعمارات بشعاعها الوضاح والبراءة والهدنة الجميلة، هكذا فرضت نفسها على الطبيعة. هذه الطبيعة المتفائلة، التي تري في الحياة وجوها باسمة سعيدة وأخرى حزينة شقية .
فكثير من أسباب الشقاء يرجع إلى الطبع الساخط. الطبع الذي لايري في الحياة إلا مصائبها وأحزانها، الطبع الذي يخلق من السعادة حزنا ومن السرور بكاء، ولتجاوز هذه العقبات لابد من أن تجدد نظرك للحياة. ببدء حياة شعارها النجاح والسمو.. حياة جادة، بعيدة عن مغامرات تافهة وأوهام سخيفة وعوامل الطغيان والفساد مقابل حلاوة الحياة التي تأخد من المشاعر الذابلة المساند للوقوف. وهذا واجب كبير وشأن في حياة النشء...
أنثر خطواتي على الرصيف.. لاأعرف إلى أين أمضي.. أسأل قلبي أن يتوقف عن عزفه، فلم أشعر إلا وأنا أصحو من نومي!! ، كنت أعلم أن الإنسان لايهتدي أبدا إلى أحلامه متى أضاعها، لذلك أحسست بأني ربما أخطأت في عدم ممارستي للرياضة وها قد جائني هاتف ينبأني مثل حلم جميل .

الجمعة، 1 سبتمبر 2006

نجيب محفوظ في الواجهة

يعتبر الأديب الكبير نجيب محفوظ من قمم الأدب في مصر بل في العالم العربي. ولد سنة 1912 بحي من أحياء القاهرة العتيقة، وألف أكثر من خمسين رواية من أشهرها الثلاتية، وقد صدرت في ثلاثة عناوين. وتقلد عدة مناصب ثقافية .
ومن الصعب التحدث عن الرواية العربية دون أن نذكر نجيب محفوظ الذي شكل مدرسة لازالت لحد الساعة تحمل بصمات طيبة في وجدان المجتمع العربي وتؤسس لخط في الرواية العربية .
رغم أن نجيب محفوظ قد إنخرط في عدة أعمال إلا أن العمل الذي إلتهم حياته هو الكتابة، فقد كتب في مجلة الرسالة قصصا صغيرة، وأثناء ذلك كان يبحث عن مقومات فنه ويشق طريقه فيه بخطوات ثابتة .
يقول عبد الحميد عقار رئيس إتحاد كتاب المغرب: "نجيب محفوظ كتب الرواية من موقع الرافض الواعي المتحكم في أسلوب الكتابة وفي تقنياتها وأيضا الممتلك لوعي جمالي ووعي إعتقادي، شديد التفرد وشديد التميز.. قيمة فكرية أدبية وإنسانية كبرى. وفقدانه خسارة عظمى للأدب العربي والأدب الإنساني، ويبقى عزائنا الوحيد والأساسي هو دخيرته الروائية المتميزة المتفردة والمتجددة".
نجيب محفوظ الراحل جسدا الخالد فكرا. تقول عنه الدكتورة ميسا هاور أستاذة الأدب العربي في كلية أوشن في نيو جلسي: "نجيب محفوظ أعطى الفرصة للصوت العربي أن يسمع، هذا وسام على كل عربي. أن محفوظ أعطى فحوة للعالم الغربي أن هناك أصوات روائية رائعة لابد وأن تقرأ وأن تترجم... وهناك تيار لمعرفة الأكثر عن العالم العربي الإسلامي والمصري بالأخص. وأعطى إحترام بالفعل للعالم العربي حين قرأوا محفوظ للشخصية العربية الإسلامية ومفاهيم الحضارة العربية. نجيب محفوظ ككاتب إستطاع أن يوصل مابين القارئ العادي وليس القارئ المثقف. بمعنى أن أسلوب محفوظ كان متميز في أنه تحدث إلى العامل والفلاح والمزارع وهكذا ولكن بأسلوب مثقف ولكن بأسلوب يستطيع به أن يروي أمامه نماذج من الحياة وأنماط من البشر، لم تتح لنا هذه الفرصة من قبل، فقد كانت الكتابة كلها بالفصحى وأستطيع أن نقول معقدة لغويا بالنسبة لعامة الشعب، ولكنه إستطاع أن يرسم صورة رائعة للمجتمع المصري والعربي، ويطرح أسئلة للبشر تجعلهم يتسائلون عن حياتهم اليومية".
وأعرب العاهل المغربي صاحب الجلالة الملك محمد السادس في برقية تعزية إلى الرئيس المصري محمد حسني مبارك ومن خلاله لأسرة الفقيد والشعب المصري الشقيق عن أحر تعازي جلالته ومواساته في وفاة أحد أعلام مصر والأمة العربية، الذين حظوا بالتألق على المستوى العالمي في مجال الإبداع الروائي وأغنوا المكتبة العربية بعطائهم المتميز، متوجا مسيرته الحافلة بإستحقاق جائزة نوبل العالمية في الآداب .
هذا وقد أشاد الرئيس الفرنسي جاك شيراك بالأديب المصري واصفا إياه بأنه من كبار أحباء العالم ورجل سلام، وذكر بأن فرنسا كانت من الدول الأولى التي ميزت موهبته الكبيرة وترجمت أعماله، ولقيت على الفور نجاحا مازال متواصلا لدى الجمهور الفرنسي والفرونكفوني .
وأعرب الرئيس الأمريكي جورج بوش في بيان من البيت الأبيض واصفا الأديب المصري بأنه كان أديبا وفنانا إستثنائيا وأن أعماله ستعرف مصره الحبيبة إلى الأمريكيين وقراء كثيرين حول العالم لعديد من الأجيال .
ووصف مدير الدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية البانتغون محفوظ أنه كنزا من كنوز الحضارة العالمية. فقال في بيان رسمي من البيت الأبيض: "لازم نقدم الأسى للشعب المصري.. الحمد لله مع هذه الخسارة الكبيرة فهو يعيش في الكتب وفي الروايات وفي الذكريات والكل لايعترض ويحب هذا الكاتب الأديب" .
وهكذا تميز الروائي العملاق الكبير نجيب محفوظ بجرأته على تجاوز المألوف دون أن يبعده ذلك عن قلوب وعقول قرائه على نطاق العالم بأسره. وقال رفيق عمره محمد سناوي رئيس إتحاد كتاب مصر ورئيس تحرير صحيفة الأهرام التي تصدر باللغة الإنجليزية أن أكبر تكريم جنائزي في مصر لأي فقيد مرموق -خاصة وأن الأستاذ نجيب محفوظ حاصل على قلادة النيل- هي الجنازة العسكرية وهو طبعا يتقدم على رؤساء الوزارات في مرتبته .
ووصف سلماوي رفيق الراحل نجيب محفوظ بأن وفاته خسارة فادحة للأدب العربي والأمة العربية. وقال أيضا: "الأستاذ نجيب محفوظ خطا في الأدب خطوات كبيرة إلى الأمام ، نقل الرواية إلى آفاق جديدة تماما، جعل العالم كله ينتبه إلى قيمة الأديب العربي وإلى قيمة الرواية العربية، لدرجة أن هناك من النقاد و الدارسين يتحدثون عن الهوية العربية كجنس أدبي مستقل عن الرواية أسوة بالرواية الفرنسية أو الروسية" .
أما الكاتب اللبناني جواد صيداوي فيرى أن روايات محفوظ أبعد عن الساحة التي كتب منها. حيث قال: "نجيب محفوظ عندما نتناول الحياة الإجتماعية أو العلاقات الإجتماعية أو صيغة المجتمع المصري في بعض أحياء القاهرة، فيتناولها بشكل ظاهري فلان وفلان والحي الفلاني والمكان الفلاني، ولكنه غاص في أعماق شخصياته حتى خرج من ذلك بنماذج إنسانية أبعد من المجتمع المحلي الذي تكلم عنه .
ويشير الكاتب والناقد اللبناني حمزة عبود أن محفوظ تمرد على الرومانسية العربية وتعبيرات الأديولوجية للواقع وقال: "واقعية نجيب محفوظ بقدر ما هي نص مستقل يعني لايعكف الواقع بصورة آلية بقدر ما هو متصل بهذا الواقع يعني هي إيقاعات عميقة للواقع بتشد بأعمال محفوظ وليس الحركة السطحية للواقع أو الظواهر المباشرة. نجيب محفوظ يقدر يلقط واقعيته بالإيقاعات العميقة لمواقع مرجوة" .
ويشيد الأديب المغربي محمد المسناوي أن مساهمة نجيب محفوظ في مجال السينما تظاهي ماخلفه في عالم الرواية بشكل لايجسد الواقع الشعبي في مصر فحسب بل وأيضا في مختلف المجتمعات العربية. وقال: "كان له تأثير في صياغة نوع من الألفة للمشاهد العربي بعضه إلى بعض، ربما بنفس الدور الذي لعبته بشئ ما أم كلثوم على صعيد الأغنية، لعبه محفوظ سنمائيا بالنسبة للثقافة العربية" .
وفضلا عن المكانة البارزة للراحل نجيب محفوظ في مجال الأدب يوضح المسناوي سر إعجابه بجانب محدد من شخصية الأديب الراحل قائلا: "والذي يثيرني أكثر في هذا الروائي هو أنه في كتابته للسيناريو لم يقتصر على مايفكره أو مايمليه هو بل إشتغل على روايات لإحسان عبد القدوس ليوسف السباعي..، لم يجد ضيرا في أن يشتغل غلى روايات غيره متجاوزا في ذلك مايمكن أن يسميه الكاتب كبريائه الخاصة.. نجيب محفوظ كاتب كبير الحاصل على جائزة نوبل لم يجد أي مشكل في الإشتغال على عمل غيره وتحويلها إلى السينما، كالثلاثية التي نقلها حسن الإمام.. ويمكن إعتبارها الآن من أهم الأفلام العربية " .
وقال نصر الدين النشاشي الكاتب والصحافي الفلسطيني وصديق الراحل إن مايميز محفوظ هو تواضعه حيث قال: "معروف عنه تواضعه الشديد وإنسانيته التي لاحدود لها وكان معروف في محل قهوى أو مقهى يرح لها بإستمرار ويجلس فيها" وأضاف بأن أعمال محفوظ تميزت بالإبعاد الفكري وشكلت مفاجئات أدبية .
معان بشور الأمين العام للمؤتمر القومي السابق في هذه الشهادة: {لقد عهد على مصر وعلى مجتمعها ودقائق الحياة فيها من خلال ثلاثية نجيب محفوظ ومن خلال هذه البراعة في نقل المشاهد إلى كلمات متدفقة، لقد كان لهذا الرجل وجدانا} .
وقد توقف نجيب محفوظ عن الكتابة نظرا لطعنة تعرض لها عام 1994، إلا أنه في السنوات الثلاثة الأخيرة كان يكتب قصصا قصيرة، أطلق عليها أحلام فترة النقاهة، وكان آخر ماكتب الأديب وأقل من 48 ساعة من وفاته الحلم رقم 206 الذي أرسله محفوظ إلى مجلة نصف الدنيا .
أحمد الشهاوي مدير تحرير مجلة نصف الدنيا وآخر أعمال الأديب الكبير نجيب محفوظ: {رأيتني أعد المائدة والمدونة في الحجرة المجاورة، لتأتيني أصواتهم، أصوات أمي وأخواني وأخواتي، وفي الإنتظار ساقني النوم ثم صحوت فاقدا الصبر، وهرعت إلى الحجرة المجاورة لأدعوعهم فوجتها خالية تماما غارقة في الصمت، وتولني الفزع دقيقة ثم إستيقضت ذاكرتي فذكرت أنهم جميعا رحلوا إلى جوار ربهم وأني شيعت جنازتهم واحدا بعد الآخر} .
نجيب محفوظ يقول عنه جمال الغطاني وهو الذي رافقه وعاش بالقرب منه: "نجيب محفوظ أولا بالنسبة لي الحديث عنه. أولا كأديب هو مؤسس الرواية العربية الحديثة بلا منازع، وهو الكاتب الروائي العربي.. لم يكف عن الكتابة حتى سكوته في مرضه خلال الشهرين والنصف الأخيرتين، إنتاجه متنوع وعزير.. ولم يكن بمفرده. كان هناك أيضا كتاب من المغرب الكبير المغرب، وتونس، والجزائر.. وكل من كان يجيء إلى القاهرة كان يقصد مقاهي محفوظ المعروفة، كتب عنه طه حسين وسيد قطب كبار النقاد في الأربعنات، هناك من لا يعرف الروايات لكنه عرف محفوظ في الروايات السنمائية" .
وذكر محمد سلماوي أن آخر كلمات نجيب محفوظ كانت إبتهالات ردد فيها كلمة يارب، ويشير سلماوي إلى أن محفوظ كان يؤكد دوما على أهمية الإيمان بالله ويقول: {إن الإيمان هو الذي يعطي لوجود معنى وبدونه لامعنى للوجود ولامعنى للقيم والبديل هو العبث وهو أن لامعنى} .
وقد إعتاد محفوظ الصلاة في مسجد الإمام الحسين الشهير في القاهرة. وقد شيعت الجنازة منه بناء على وصيته، ومن هذا المسجد إستلهم العديد من الروايات والقصص والشخصيات .
في سنة 1988 منح الأديب العربي الكبير نجيب محفوظ جائزة نوبل في الآداب، ومايثلج الصدر أن هذه الجائزة قد منحت عن إبداع بالعربية وليس بلغة أخرى، وإن الذين منحوها ليسوا من أهل الضاد بل من قراء اللغات الأوربية، وهذا يعني أن أدبنا يتذوق لدى الآخرين، فمبارك لكل عربي، وتحية لأولئك الذين نقلوا إبداعنا إلى الآخرين .
نجيب محفوظ أثرى الخزانة العربية وأثرى أيضا مخيلة القارئ العربي، ورغم وفاته فهو لازال حيا بما تركه من كنوز رائعة .
رحم الله فقيد الأدب والثقافة العربية. وإنا لله وإنا إليه راجعون .

الجمعة، 25 أغسطس 2006

المأساة

كانت عقاريب الساعة تقترب من السادسة صباحا، وجموع العمال والمستخدمين بدأت تتقاطر إلى سوق المدينة فيما راحت أصوات الباعة المتجولين ترتفع بالصياح معلنة عن بضاعتها فتختلط في لغط وفوضى. عربات الباعة القديمة متراصة مع بعضها بغير نظام وتفوح منها رائحة الفطائر والأطعمة الرخيصة. وفي زاوية ينتحي بائع اللبن، على حين إقتعدت أعرابية الأرض أمام دكان مغلق وهي ترتب المقدنوس والمعدنوس والفلافل وثميرات الحامض. يزداد النشاط وتنتعش الحركة في السوق.. وشيئا فشيئا تشرق الشمس وتغمر بنورها ودفئها الجميع .
تعودت كل صباح في هذا الصيف الحار أن أجلس عند صديق لي في السوق. وما أثار إنتباهي دائما هو أن أرى صبيا لايتجاوز العاشرة من العمر، يحمل صندوقا صغيرا من الكرتون مليئا بعلب السجائر والعلك. وكان كعادته يأتي مع تباشير الصباح، وما أن يرى جمهرة من الناس حتى يرفع صوته بالمنادات ((سجائر هنا.. سجائر هنا.. علك.. علك)) وأحيانا بالكاد يتسلل صوته الرفيع إلى سمعي من بين همهمات الجموع وأصواتهم الخشنة. طالما كنت أتأمله بإشفاق. كان يرتدي ((جاكيت)) تصل تحت ركبتيه بقليل وتتنوع فيها رقع ملونة، ناهيك عن طبقة من الوسخ أضفت عليه لونا غريبا يثير القرف. كانت ملامحه تدل على التعب والحرمان ويخاله الرائي متشردا أو متسولا. ولكنني كلما رأيته أتعجب من ذلك التشابه الغريب بين سماته وصديق لي درس معي مرحلة الثانوية جن فجأة في العام الماضي، بسبب رسوبه في إمتحانات البكالوريا، مما حداني يوما أن أستفسر منه لأجد الخبر اليقين .
ناديته من بعيد فإذا به يأتني مسرعا ظانا منه بأني سأبتاع من بضاعته شيئا.
- سجائر.. علك.. سجائر.. سجائر.ماذا تريد أخي؟
- ما إسمك ياعزيزي؟
لم يجب الصبي للوهلة الأولى بل نظر إلي مستنكرا ثم أجاب:
- لماذا؟
- ألست أخا مصطفى..؟
وحالما ذكرت هذا الإسم إنبسطت أسارره وقال وهو يعبث بعلب السجائر..
- أجل إنه أخي. هل تعرفه؟
- لقد كان زميلي أيام الدراسة بالثانوية. قل لي ماذا حل به..؟
أطرق الصبي برهة، وبعد صمت قصير أجاب بأسى: جن..
لم يكن قوله مفاجئا لي لأني كنت أعلم ذلك بعد أن رأيت ((مصطفى)) ما آل عليه حاله، فهو يجوب الشوارع حافيا يرتدي أسمالا بالية وقد أرسل شعره ويبدو دائم الذهول ولايكف عن هز رأسه بإستمرار ويتكلم كلاما غير مفهوم .
تابع الصبي حديثه ببرائة وهو لايزال يعبث بعلب السجائر: .. ولكن ألا تعلم بأن أخي الكبير قد أصابه الجنون قبل مصطفى !!؟
- ماذا تقول سألته مذهولا.
- هكذا يا أخي.
- إن أخي الكبير مجنون أيضا...
لشدة ما آلمني كل ذلك، وجعلت أتسائل في أعماق ترى ماذنب هؤلاء المساكين. تناولت منه علبة علك ثم أجلسته على كرسي، ثم عدت أسأله: ووالدك؟
- لا أدري. أنا لا أعرفه. أمي تقول بانه مات قبل مولدي بأيام.
- ولكن من يعيلكم؟
أمي خادمة عند الجيران. وأنا أبيع السجائر والعلك في الصباح، وبعد الظهر أشتغل عند خالي الإسكافي. إن أمي تبكي طوال الليل أمام صورة أختي التي ماتت بالشلل قبل أسبوع. أتدري..؟ لقد كانت تساعدنا ببعض النقود من عملها كغسالة.. لقد تعبت من التجول وبيع السجائر، ولكنني سأشتغل في المصنع عندما أكبر وأحصل على نقود كثيرة أعطيها لأمي لكي............
لم أتمالك نفسي عندها وماشعرت إلا والدموع تملأ مآقي والألم يعتصر فؤادي. فغر الصبي فاه مستغربا وبدا وكأنه لايفهم علة حزني المفاجئ !! فتركني وتابع سيره وهو ينادي ((علك.. سجائر.. سجائر..)). وبقيت نظراتي تلاحقه وهو يشق طريقه في الزحام بجسمه الغض، وصوته يتلاشى رويدا.. رويد....

الجمعة، 18 أغسطس 2006

والعصر إن بنات مدينتي لفي خسر

تبدو الأرض فسيحة رائعة من هذا المكان وقد تشكل الربيع بشكل جميل إلى أن تناطح مع السحاب. سكون المقهى يغري بفنجان قهوى تذيب روحي بين الجرعات.. وتترك ناظري يتمشى مع الخضرة إلى الأفق... أتطلع إلى الوجوه من حولي، أبحث عن فتاة عن طفل، عن فراشة، .. أبحث عن نظرة، عن إبتسامة، عن كلمة جميلة، .. في الشارع أمامي رجال ونساء ومن كل الأصناف.. مايهمني الآن، أن أشرب قهوتي، وأقرأ رواية بعيدا عن فضول الناس.. وفي غفلة عن السكون، داهم رجل صمت المقهى. فجلس غير بعيد عني مسافة كرسيين، قبل أن تلتحق به بنتان .
صديقتي"ثريا" التي حدتتك عنها، أصرت على أن تأتي معي، فقبلت، لم تستطع المسكينة أن تخلص نفسها من حبائل العزلة.. إيه! قلت إنك ستأتي لها برجل! أنظر بنفسك كم هي جميلة، للإشارة فهي غنية الوجدان، ولا تختزن في قلبها غير الأحاسيس المرهفة، خانها حبيبها الأول، بعد أن إستاق منها أنوثتها، فرحل بعيدا .
لاأستطيع عزيزتي أن آتيها بأي كان ففي كل رجل ثعلبا! .
أخوك مثلا! يبدو ظريفا، وظرافته وحدها تستطيع تدفئة هذا الجسد! أليس كذلك؟
قلت لك أنني لاأستطيع أن آتيها بأحد! فأخي لا يهتم إلا بالبقر من بنات المدينة، فهو يحب اللحم، الشحم، والريق الدسم ..
عدت للرواية والفنجان وتهت.
سأنصرف، قالت، الكل سيغيب عن بيتنا هذه الليلة، لاتنسى أن تأتيني بشهوتك، إركب سطح الجيران أفضل، فالعيون في كل مكان، ستجد عندي في الغرفة الثانية بعد المطبخ كل شيء مشتهى، سأفترش لك نعومتي، وستتوسد طراودة نهدي، لأخلصك بعد قبلة أو قبلتين من الذي قهر النساء .
ضربته جهة الأسفل بعد أن عاينت أن ليست عيون ترصد حركتها. فأخدت يد "ثريا" وإنصرفتا. لحظتئد جائني النادل بفنجان ثان وهمس "والعصر إن بنات مدينتي لفي خسر" . أومأت له بالإيجاب قبل أن ينصرف الرجل بعدهن... الضباب يحاول السيطرة على العالم، وهو يحجب عني الخضرة البعيدة .
الرذيلة والخيانة، تزكم الأنوف في شوارع المدينة.. وبناتها يعرضن ممتلكاتهن بشكل أو بآخر، هذا هو عصر التحرر كما نزعم! فماذا أستطيع ان أفعل؟ مادمت لاحول لي ولاقوة.

الجمعة، 11 أغسطس 2006

حالات التيه

في المساء عبر طريق الرميلة وقفت في منتصف الأوطوبيس رقم 2، مسندا ظهري إلى زجاجة الإغاثة، لأول مرة أكتشف المدينة ليلا.. ذوائب تتراقص.. تقترب لتتقاطع.. فتبتعد لتختفي.. هنا كل شئ شاعري، الجمال في كل ماتقع عليه الأحداق: المعمار.. الطرقات.. الحدائق.. البشر.. حتى القمامة لا تخلو من بهاء! هذه هي المدينة.
إكتشفت الأمكنة، وعشقتها، وإعتدت على إرتيادها في أيام معلومة، إما للمذاكرة أو للإختلاء بالنفس. ما بين باب قشيش وصومعة الكتبية، وقصر الجامعة وطريق المسافات الطوال. وحديقة السلام.. كان الزمن يسرع، وأحس به ينفلت من أصابعي مثل الزئبق!! تتملكني رغبة شديدة في العدو دون توقف، حال من يسابق ظله للتخلص منه!! ها هنا كان اللقاء.. اللقاء مع النغم الأصيل، والهموم الكبرى، وحمى السهر لإقتناء تذكرة تسمح بتناول أكلة سريعة في مقهى .
أعمد أحيانا إلى زيارة مقهى "خمس نجوم"، وأكتفي بالدخول والخروج مقلبا بصري في الزبناء، أختلس النظرات إلى نخبة من الفنانين وطلاب مثلي.
طولها الفارع، وعيناها الزرقاوان، ووجهها المعبر، وشعرها العسلي المنسدل! إبتسمت وتكلمت بالإنجليزية: "عودت عيني على رؤياك"، وإختفت في زحمة الحياة!! شعارها كان: "كن ذكيا وإكتسب".
عون مصلحة بالجامعة قلما يظهر، وإن حدث، رأيته في إحدى الزوايا متأبطا مكنسته في مشي متربص! إرتبط إسمه بقوة بيوم واحد في السنة، موسى يعني يوم الإعلان عن نتائج الإمتحانات الكتابية، إذ تناط به مهمة تعليق بياناتها، ولعل هذا ماأكسبه لقبه الشهير: "موسى دورة يونيو".
لم تمهلني المدينة حتى ألم حقيبتي.. أودعتني الحافلة ذاتها التي جئت على متنها ذات يوم، وعقب وصولي تسلمت رسالة النتيجة الهزيلة لأفكر في عام آخر جديد!! وبين دوار الحافلة والضيق المالي، خامرني شعور غريب مفاده أني تهت... ولكن في مدينتي.

الجمعة، 4 أغسطس 2006

فوق الروابي

كيف يمكن أن تشرق إبتسامة الصباح الوضاح وتنجلي، لتحل موضعها رقة الربيع، واخضرار الطبيعة.
الجو مخيف وصوت الرعد يعلن عن قدوم أمطار غزيرة، ماعادت الشمس تشرق بمحياها الوديع، وهكذا بدأت الكآبة تجتو.. برهات من السكون ترافق الظلمة.. طال العهد واستمر الذل يتجاوز الشهور. القلب يفقد عنان العزيمة خوفا من المستقبل، فلم البكاء على معالم قديمة، مادام الإنسان خلق ليواجه التحدي ويربح الرهان، وإلا فالإستسلام يعيق الإستمرار.. فمن قاوم نال ماتشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
إن مواجهة المسافات الطوال تبدأ بأول خطوة. والحكيم من يترك العامي يتشدق، وإذا تكلم هو نطق بمعنى، إذ ليس العبرة في كثرة القيل والقال.
صاحب النية يتمطى صهوة جواد أبيض، فمن كان كثير الخداع، لاشك ثعلبا ماكرا، ومن عاش عديم الحيل وصافي السريرة، لابد أنه حمل وديع سيصبح أضحية في الأعياد المجيدة من أجل البهجة والفرحة المطلقة، وبينهما ذو الوجهين. ولامبدأ له غير نهش فريسته.
وتنتهي الطريق المعبدة.. فيستعصي النوم وتعظم الخشية مما يمكن أن يخبأه المستقبل!! الخشية من إفناء بقية العمر خلف هذه الروابي.. ولن يتحقق ذلك إلا بانبلاج أسارير التناغم واليقين، وليس الشك.. وينتهي كل شيء.

الجمعة، 28 يوليو 2006

الواقع الإفتراضي

أمام إنتشار الإبحار الرقمي وتسهيل الإنخراط في الشبكة العنكبوتية. تحول بعض الشباب إلى حالات إدمان صعبة، مادامت أبواب الفضاء الرقمي مفتوحة على مصراعيها.
وهكذا تتصدر غرف الدردشة أو 'التشات' القائمة بالنسبة لمستعملي الإنترنت، حتى صار 'التشات' مرادفا للأنترنت عند الكثيرمن الشبان والشابات، الذين أدمنوا على هذا النوع من وسائط الإتصال التي تمكنهم من تجاوز كل الحواجز سواء كانت مادية أو ثقافية.
هذه الوسيلة المتطورة. ومن خلال شهادات بعض أصدقائي، ليس إلا وسيلة من أجل ممارسة سلوكات تقليدية، ومجرد كلام فارغ لا معنى له، والتضيق على الفتيات، وهذا يعني أن الشات تحول إلى فضاء جيد لبناء الفخاخ، لكنه فضاء آمن تبحث من خلاله فتاة محترفة، عن (ضحية) يبحث عن ليلة حمراء. وأكثر من هذا وذاك فإن التطور السريع الذي عرفته تقنيات التواصل عبر الإنترنت، جعل هذا العالم الإفتراضي يقترب يوما بعد آخر من عالم الواقع بفعل استعمال الكاميرات أو 'الويب كام' التي تمكن الأطراف المتصلة من إقامات علاقات جنسية في هذا العالم الإفتراضي.
ولهذا علينا الحذر، فعالم الدردشة الإفتراضية شاسع بمرتاديه وبإختلاف طبائعهم وحيلهم ورغباتهم وإستهاماتهم، وبصدقهم كذلك. لكنه صدق لا مناص من أن يسبقه حذر، وهو أمر طبيعي، وعلى هذا المنهج أعتمد مادام الإفتراض يحتاج إلى دليل صحته.
فحسب وجهة نظري وإستطلاعات للرأي قمت بها، فأغلبية مهووسو الشبكة العنكبوتية، يكون الشغل الشاغل هو البحث عن شاب أو شابة، وخاصة الذين يقصدون غرف الدردشة. فيكون الهدف في الغالب الإيقاع بضحية من طرف الذكور، أو البحث الجدي عن الطرف الآخر من أغلب الإنات، يليهم الباحثون عن الهجرة، وعن قضاء وقت في الدردشة التي لا معنى لها، ثم بعض الشواد جنسيا. أما معرفة ثقافة الآخرين وتقاليدهم فجاءت بنسبة 0,1 في المئة مقابل 75 بالمئة لفئة الإيقاع بالضحايا والباحثون عن فرص للهجرة ثم يليهم الشواد 15 بالمئة وأخيرا الجديين 9,9 بالمئة .
فيبقى الإتصال مع العالم الإفتراضي هو المهم لدى هذه الشريحة أو الأمر يتعلق بقضاء وقت.

الجمعة، 21 يوليو 2006

استنطاق

جمع القدر بينهما. كانت البداية عبر رسائل الصداقة عرف الطالب "ناصر" أن ذاكرته لم تخنه، عن اللقاء الأول وعن ظروف الفشل الدراسي والضيق المالي التي تعرض لهما. لكن مساعدة أصدقائه خفف شيئا ما من نكبة فترة الصيف. يحكي ناصر عن رحلة فترة الصيف. حيث شاءت الأقدار أن تحفظها الذاكرة.
*ماذا كنت تكتب في مذكراتك التي دونتها في فترة الصيف؟
كل مايخطر على بالي مقالات أشعار، أكتب عن تفاصيل من حياتي السابقة، عن كل شئ وأي شئ .
*ألا زلت تحتفظ بما كتبت؟
شذرات مما كتبت فقط. أما الباقي فقد حرقته. لكني أفكر الآن بشكل جدي في إعادة كتابته. كنت أطلع بعض الطلبة المتميزين على ما كتبته، والحقيقة أنهم شجعوني أكثر، لم تكن حياة عادية تلك التي عشتها في فترة الصيف، فالمصائب تأتي دفعة واحدة ولا تهمل صاحبها وقت تفاديها، فقد كنت ما إن أنهض من نكبة حتى أسقط في أخرى. عندما تم العام الدراسي خرجت النتيجة هزيلة، وباء العام بالفشل وبمجرد نسيان هذا وقعت في ضيقة مالية كبيرة.. في ظل هذه المواجهات والسلسلة من المشاكل التي لا تنتهي. بفضل الله، وبفضل الأصدقاء الطيبين مرت المحنة بسلام، لكنها تركت آثارها النفسية ..
*لابد أن فشلك الدراسي قريب جدا من الضيق المالي خلال تلك الفترة؟
ليس من بين الشيئين من هو أقرب إلىّ من الآخر. الإثنان في منزلة واحدة. صحيح أنه كان قريبا مني في فترة الصيف، خصوصا في منتصف تلك الفترة، التي تلقيت فيها دروسا عن علم الفلسفة ثم بدأت التكوين بالمركز التربوي.
*ألم يعارضك أحد في مصاحبة الفتاة البريطانية، خصوصا وأنك في سن لا يتجاوز العشرين؟
لم يقبل أصدقائي مسألة الصديقة اللندنية المسقط، ثم تحفظي من فكرة الإرتباط بفتاة أجنبية من جهة أخرى. لقد أعطيت لي أوامر من طرف أصدقائي من عدم التفكير في ربط علاقة من فتاة تكبرني سنا. هناك العديد من الطلاب العرب الذين يرتبطون بفتيات أو أرامل أو مطلقات لكي يحصلوا على الجنسية الأجنبية فقط. قلت لهم: فلتكن إذن فتاة أحبها ومن سني .
*متى تغضب من أصدقائك؟
هذه مسألة نادرة ماتقع. من طبع بعض الأصدقاء أنهم يغضبون بسرعة، لكنهم يتراجعون عن موقفهم بسرعة كذلك. والحقيقة أن محاسنهم أكثر بكثير من مساوئهم. إذا أحبوا إنسانا فإنهم يعطوه كل مالديهم، لا يعرفون الحد الوسط، صحيح أن انشغالاتهم الدراسية لا تنتهي، لكنهم يبذلون مجهودا للتوفيق بين التزاماتهم. تأتي لحظات تكون فيها خلافات. لست مجنونا لكي أدعي عكس ذلك. لايوجد في الدنيا من لايختلف مع الأخر، لكنها سرعان ما تتلاشى وتستعيد الحياة صفوها من جديد.
*من يتدخل لحل النزاعات بينكم؟
مند تعرفنا ونحن نعرف كيف نحل مشاكلنا في ما بيننا دون اللجوء الى أحد. أذكر أنه نشب خلاف بسيط بيني وبين أحد أصدقائي، والحقيقة أنه كان شيئا تافها. كنت أذهب الى الجامعة كل صباح وبحكم أنه يدرس حرا لم يكن يلزمه الإنضباط للتوقيت الدراسي. مما يحعله لا مباليا، فيما أكون دائما على على عجلة من أمري، الشئ الذي كان يثير غضبي، حيث أكره الوصول متأخرا. الى أن نفد صبري وطلبت منه أن يفارقني غضب مني وقال: كان عليك أن تقول لي أني أتأخر.
*كلمة أخيرة؟
كنت أجد مايقوله أصدقائي هو عين الصواب، والحقيقة أنهم إسم على مسمى، أما في مايخص الفشل الدراسي والضيق المالي. فقد كانت لدي قناعة تامة بأني سأحقق كل ما أريد. تعلمت من أبويّ وأصدقائي الصبر والمثابرة. فقد تربيت على المقاومة وعدم الإستسلام للظروف. لدرجة أنني كلما رأيت هدفا أو مشروعا صغيرا يتحقق، أحسست بالفخر، دون التفكير في أهمية المشروع في حد ذاته.

الجمعة، 14 يوليو 2006

واقع الحال

جاء الصباح باردا جميلا، انسحبت من فراشي في هدوء، اتجهت إلى المرحاض، نظرت إلى المرآة بتمعن وكأن الوجه الذي أمامه ليس وجهي. كان غامق السمرة يميل إلى الشحوب خدان بارزان وجبين تظهر عليه علامة اليأس، رغم برودة الصباح، وضعت رأسي تحت الصنبور، وتركت الماء ينسكب عليه، رفعت رأسي مجددا صوب المرآة مازالت عيناي ناعستين، ورأسي ثقيل، دخلت المطبخ ثم فتحت الثلاجة، وأخرجت منها إبريق قهوة المعدة سلفا، ووضعته على الموقد، أخرجت ملابسي من الصوان، وخلعت البيجامة، وارتديت ملابسي في فتور أسرعت إلى الموقد لأنقد ماتبقى في الإبريق من قهوة تناولت فطوري، وخرجت مسرعا.
في مثل هذا الصباح تكون المدينة هادئة، كنت أحس أني أشارك فيها وأني جزء من هذه المدينة، لكني اليوم مشتت الأفكار، وأحس بدوار. دلفت إلى مكان عملي، طلبت كأس ماء وحبة اسبرين، شربتها على الفور، فشعرت بدفء ونشاط شيئا فشيئا، ثم باشرت عملي. لشدة ما أكره معالج النصوص لكن ما يربطني به هو عملي، رحت أعمل بجهد جهيد حتى دمعت عيني من ضوء شاشة الحاسوب، ابتعدت عنها وأنا أحس بدوار. تناولت جريدة متخصصة في مجال الإنترنت. ليتني أهدأ لكن السطور مشتبكة لا أقدر على قراءة شئ، وقفت بغتة كنت أدرك أن شيئا سيحدث، دخلت على مكتب المدير تلعتمت قبل أن يأذن بانصرافي، خرجت لا ألوي على شئ. أحسست بالغثيان فاستنشقت الهواء بتلهف. ثم انطلقت الى بيتي، فخامرني شعور غريب مفاده أن هذا هو واقع الحال.
دخلت البيت. ثم استغرقت في نوم عميق.

الجمعة، 7 يوليو 2006

السطور المنتفضة

تأملات مملوءة بالتوجس، لكن الصمت يلتهمها. أمسكت القلم وكتبت في مفكرتي : "ماذا وقع في هذه المدينة؟ ! اكتسحت المنازل الخضرة، كثرت المقاهي كأنها الفطر، نشطت السمسرة في عقل بني آدم، لا فرح يبشر ولا سرور يبهج، فقط الموسيقى تصمم الأذان... تذكرني بأيام الصبا.
خرجت إلى الشارع أجوب الطرقات، نسيم الريح يميل الأشجار، ويداعب النهود التي في الصدور والأطيار التي في السماء. دنا شاب من فتاة مليحة ،وهمس لها بكلام. بلا تردد أجابته بلغة أجنبية، واندس بين الناس واختفى في الزحام، فقلت حينئد : "أن اللغة من أخطر النعم".
كنت أمشي متثاقلا، يرافقني بيت شعري يقول:
كل شئ له دواء يستطب به ** إلا الحماقة أعيت من يداويها
وجوه مثل القمر وأخرى كالحجر والفرق كبير شبيه بالنور والظلام. أمام محل ساندويش وقفت طفلة وفمها يسيل من اللعاب، أدركها شخص فأشار إليها، فذهبت إليه مسرعة، لا أعرف ماذا كان بينهما. لأن الزحام الكثير جعلني اتجه إلى زقاق يسهل تعداد المارين به. التقيت صديقا لم أره مند سبع سنوات ونيفا. تعانقنا بحرارة وكلانا يلعن هذا الواقع الذي فرق بيننا. آه كم استحضرنا من صديق في هذه اللحظات المعينة لكن كل ما نعرف هو أننا لا نعلم عنهم شيئا أذكر أننا تواعدنا مساء يوم حار من أيام شهر يوليوز في مدينة البهجة. إستقل هو طاكسي صغير، فيما ركبت أنا حافلة الرصيف رقم 2، حافلة تحسب نفسك داخلها في سوق شعبي. فيها بيض وسكر ودجاج وأرانب وخضروات و... مرة قلت مازحا لطالب يجلس بجانبي: خيرات هذه الحافلة تجعلنا لا نبرحها لمدة شهر، فقهقه عاليا، إلا أن رجلا مسنا لم تعجبه قهقهة الشاب فرد عليه بأن الضحك له حدود وأنه... لم يدعه يتمم الحديث فقال له: من حقي أن أضحك وإذا كانت زوجتك تنغص حياتك لأنك تقدمت في السن. فما ذنبي أنا؟ كاد الأمر أن يتطور إلى عراك لولا تدخل بعض الركاب.
مرت سبع سنين دون أن ألتقي بناصر. هزل جسمه وبح صوته رغم أنه في ريعان شبابه، كان يرتدي قميصا وسروال دجينز..
كان يكتب قصائده في الليل وفي الصباح يقرأها على طلبة متميزين ثم يحرقها. وعندما استفسرته مرة عن ذلك قال: إنها تحرقني لحظة الكتابة! طالما دافع عن شعراء عظام مثل: شوقي والبارودي لكن كان يهوى المتنبي كثيرا أما الأسماء الأخرى فيطالبها بالإبتعاد عن الشعر لانه ليس حرفة !.
تابعنا السير جهة الساحة العامة نستحضر الذكريات، الحماقات، السخرية من طلبة كانوا يدمنون الإستمناء، من أساتذة يتهربون من من أسئلة الطلبة !.
جلسنا على كرسي من الكراسي العمومية نشاهد الغادين والرائحين، دخن سجارة ثم قال لي: "أبوح لك أنه عندما كنا صغارا قالوا لنا: ليس التأليف عار لكن العيب كل العيب أن توقض بإيمان شعرك قلوبا قفارا". أسدل الليل ستائره المعتمة، والأضواء المتناثرة توصل بإشعار مدينة ساحرة. قلت لصديقي: لما لاتكتب رواية؟ وقف بغتة ثم قال : سأكتب رواية أحكي فيها محطات عذابي على سطور منتفضة، ولن أضرم فيها النار، بل سأبحث عمن يترجمها إلى الإنجليزية.
عدنا من حيث أتينا واقترحت عليه أن نتناول شيئا، غير أنه اعتذر قائلا: أنا الليلة بدون شهية لدي موعد مع السطور بعد ساعات، أكتب لي عنوانك، سأبعث لك رسالة مستقبلا، أراك قريبا.

السبت، 1 يوليو 2006

إتفاقية الإستخدام

لايجوز إعادة النشر بأي وسيلة لأي مادة نشرتها مدونة أوراق متضاربة منذ صدر يوليوز 2006 وحتى تاريخه دون موافقة من صاحب المدونة وإلا اعتبر خرقا لقانون الملكية الفكرية.
يرجى إستخدام الموقع بمسؤولية.
وشكراً.

للمراسلة

نشكر لك مطالعتك لمدونتنا "أوراق متضاربة" ورغبة في تواصل بناء بين الناشر والقارئ، وباعتبار أن رأيك مهم بالنسبة لي، فيسعدني أن ترسل إليّ دائماً بملاحظاتك، لكي ندفع سويا مسيرتنا الى الأمام ويعود النفع على القارئ وإليّ.
وهاك بريدي الإلكتروني الشخصي للمراسلة :
sky.nasser [at] yahoo [dot] com
وأحيطك علما أن ما أتوصل به من ملحوظات وانتقادات واقتراحات وتزكيات وتشجيعات، سوف أعتبرها من أغلى ما أملك لتبقى مرجعا لعملي ومرشدا لطريقي الذي ألزمه.. والله يقول الحق ويهدي الى سواء السبيل.

سيرة ذاتية

* بطاقة تعريف المُدوّن : سعيد ناصر
* السيرة الذاتية: ((سعيد ناصر ولد في مدينة مراكش ولكن ليس ابن مراكش الحمراء فقط.. هو ابن الرباط.. وهو ابن البيضاء.. هو ابن الصحراء.. هو ابن البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلنتي وهو ابن طنجة والكويرة.. هو ابن فلسطين والمدينة وبغداد ودمشق ومصر.. هو ابن كل المدن المغربية وهو ابن الشعب المغربي.. والأرض المغربية والهواء المغربي.. وهو ابن الوطن العربي والأمة العربية.))
* بطاقة تعريف المدونة: أوراق متضاربة
مدونات أسبوعية تشتمل على عدة موضوعات تتناول الثقافة والإبداع والدين والسياسة والتدوين.. لعلها تكون مقدمة للإستفادة والإطلاع الواسع للمبحرين عن التدوين الإلكتروني.
ثم إنشاء المدونة في صدر يوليوز 2006م الموافق لـ 1427هـ .))
* إعتذار من كاتب المدونة :
((آسف إذا تعرضت خلال الإدراجات لإشياء قد تكون غير إعتيادية ربما، لكن الحقيقة تملي علي أن أقول ما عندي بلا تحفضات أو حساسيات. فقط أردت أن أعامل تجربتي في الحياة والتدوين باحترام وصدق، بكل ما فيها من ضعف ونزوات مرة أخرى، ان كنت قد تجاوزت حدودي في هذه المدونة، فالجاني هنا هو الصدق وحده.))