الجمعة، 10 نوفمبر 2006

رياح ((الوعي الزائف))

ما أكثر اللحظات التي يشعر فيها الكاتب بالعجز؟
أي كاتب؟
وأي عجز؟
* * *
من يكتفي بوصف مايجري من أحداث وأخبار في حدود حلقة مصغرة، ليست لديه مشكلة، حتى ولو قيل له إن الحلقة المصغرة واضحة الصورة وأن الصورة الناجحة هي التي تعتمد على ((زاوية)) مانسميها نحن بوجهة نظر .
ومن يكتفي برؤية الماضي، كأنه في زيارة قصيرة أو طويلة لمتحف آثار تاريخي أو طبيعي أو سياسي أو إجتماعي أو ثقافي، هو الآخر ليست لديه المشكلة، حتى ولو قيل له إن التاريخ هو الماضي والحاضر هو المستقبل، وأن ((رؤية)) الماضي تدل على موقعك في الحاضر وموقفك من المستقبل .
ومن يكتفي، أصلا بالقول إن هذا الحديث أو ذاك لا يخصه، فهو ليس سياسيا إذا كان للحدث علاقة بالسياسة، وهو ليس مثقفا إذا كان للحدث علاقة بالثقافة، وهو ليس إجتماعيا إذا كان للحدث علاقة بالمجتمع. إنه، هو أيضا، ليست لديه مشكلة، حتى ولو قيل له إن الحواجز وهمية بين السياسة والثقافة والمجتمع، وأن هدفك الثقافي يدل على مرماك السياسي.
* * *
هذا ((الكاتب)) لايعجز عن فعل الكتابة، ولكن الأخيرة حين تنفصل فيها الذات عن الموضوع والذات عن الذات، والموضوع عن الموضوع.
تصبح الكتابة من هذا النوع، كبناء البيت للآخرين، أهم ما فيه الحصول على الأجرة، وليس الجمال أو راحة السكان. إنها الكتابة المجانية، وصاحبها لا يشعر مطلقا بالعجزـ طالما أنه ((يجيد)) الكتابة، أي طالما ((يحترفها)).
إنه لا ينشغل بمصادر الكتابة، ولا إلى أين تؤول، فهو يستطيع أن يكتب عن الماء والنار بالدرجة ذاتها من ((الموهبة)) و ((الخبرة)) و ((الثقافة)).
هذا النوع من الكتابة يجد آلاف المبررات ((للعزلة)) والتعالي على المشكلات ((العابرة)) كمشكلات الحياة اليومية للإنسان ((العادي)).
وقد لايعي غالبا -أو يعي مع وقف التنفيد- أن الكتابة تحت أي عنوان (أو تخصص) لها جذور، ولها وظائف، ولها أزمات وأحلام وإحباطات، وقد يعرف صاحبها ((العجز)) أو ((الفرح)).. فالكاتب الحقيقي، يدرك أن الكتابة شبكة من الوعي أو اللاوعي، وأن الصراع في معناه الحقيقي النهائي هو مواجهة الكاتب للوعي الزائف.
عندما يرى الكاتب نفسه طرفا في المواجهة، قد يشعر أحيانا بالعجز.
لماذا الشعور بالعجز؟
لأن ((مقاومة الوعي)) تمضي في أرض لا تملكها، أما الوعي الزائف، فهو يترسخ يوما بعد يوم في أرض خصبة.