الجمعة، 6 أكتوبر 2006

فلسفة الصيام

نحمد الله الذي فرض على عباده الصوم، طهرا لهم وغداءا روحيا يحيون به كيانهم، ونصلي على سيدنا محمد، خير من تقرب إلى الله صائما ومفطرا .
وبما أن الصوم -وهو الكف الإمساك- حرمان النفس من أعظم ماتميل إليه أو تشتهيه، فقد يتبادر إلى الذهن عند بعضنا أسئلة من قبيل: ماذا أستفيد من هذه العبادة على المستوى العملي؟ كيف أجعل صومي سلوكا صاعدا نحو الغايتين الدنيوية والأخروية؟ ماهو تأثيرها على سلوكي اليومي؟ .
إن رسالة ربانية إلهية ما كان لها أن تكون إرتجالية ولا من شأنها التضييق والحد على طاقات الإنسان وتطلعاته، وإنما الغرض -في بداية الأمر ونهايته- تربية النفس وتهذيبها ورفع درجتها وتعويدها على التحرر على شهواتها وملذاتها وتكريم الإنسان وتحمله الآلام ومجانبة المنهيات والموبقات والترفع بها عن مظاهر الحيوانية التي غاية همها الأكل والشرب وإشباع الغريزة .
إن فلسفة الصيام تقوم على حرمان الذات عن الملذات والشهوات والترفع عن كل الأعمال المنافية وتركها المباحات إنما هو وسيلة التريبة وطريقة للتدرب على إتقاء المحرمات وإجتناب الأخلاق المتناقضة مع الدين، ذلك أن من أجاب داعي الله في الرغبات المباحة وأطاع، فهو إلى المحارم أسمع وأطوع .
ويقوم الصوم على أساس إيجاد حالة الشعور بالحرمان في نفس الصائم، وإن كان بإختيار المرء نفسه، فهو يتوخى التذكير والشعور بالتعاطف مع إخوانه الفقراء والمساكين، والتحسيس بآلامهم ومعاناتهم .
ويعد الصوم مظهرا آخرا من مظاهر المساوات في الإسلام، فكما أن الحج لا يميز بين غني ولا فقير لا في الملبس والمظهر ولا في السعي والطواف.. وكما أن الصلاة تخلق حالة الخشوع والخضوع أمام حضرة الخالق جل ذكره، صفا مرصوصا لا إعتبار فيه لعرق أو لون أو غنى.. فإن الصوم كذلك لا يلبث أن يكون مناسبة أخرى يتساوى فيها الجائع الذي يصوم إجبارا طوال العام لا يعرف من الطعام إلا إسمه ولا يذوق منه إلا رسمه، محروم من الملذات مع من تتوفر له كل وسائل اللذة ولكنه غير قادر على التمتع بها .
وتستهدف حالة الحرمان التي يشعر بها الصائم وهو ممنوع من الأكل والشرب والجماع إعداده لمواجهة الصعاب والتحديات الي تعترضه، ويصبح قادرا على ضبط نفسه، والإنتصار على شهوته ونزوات الشيطان، فالأمم من أهل البذخ والترف لا تستطيع أن تواجه المشقات ولاتقوى على الصمود أمام العقبات .
إن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بأولي الألباب والفطر المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة بهم وإحسانا إليهم، وحمية لهم وجنة، وكان هدي الرسول الأعظم فيه أكمل الهدي وأعظم تحصيلا للمقصود وأسهله على النفوس .
فهل نحن صمنا حقا وأدركنا سر الصيام، وتقبلنا المنحة الربانية وإنتفعنا بها..؟