الجمعة، 12 أكتوبر 2007

يا للصًّيْفْ الجميل في الصحراء

هأنذا ادخلنا وسط صحراء قاحلة..
بل تماديت اكثر وفتحت باب شقتي داعيا عاصفة رملية صغيرة للدخول..
ولم ترفض الدعوة.. انها عاصفة رملية مهذبة..
لست حالما.. انما هي الحقيقة.
ولو سمع المصون أبي ما اقوله لاضطر ان يرميني خارج البيت.. ففي سهول الجنوب - حيث كان يعيش أبي - يكون مسكن الرمال الصحراوية سقف السماء. بإحمرارها المثير. أما أنا فأقف على ساحة منبسطة.. إذن، ما الذي يمنعني من دعوة العاصفة الى الدخول في بيتي ؟
لنرقص على الرمال..
قبل ان ابدأ الرحلة الى الصحراء في موسم الصيف والحر الشديد ينبغي ان استغني عن ملابسي المدنية وارتدي ملابس المغامرين ولااذكر انني تسلقت تلا في حياتي، فسهول الجنوب تركض نحو الأفق دون ان يعوقها شيء..
بيد انني الآن منطلق للتعرف عن المنطقة الصحراوية ومنعطفاتها الجبلية. ومن مكان الى آخر كنت اطمئن النفس بمغامرات موعودة تجلب لي السعادة دون أدنى شك.. ثم بدأنا بالدوران على المنعطفات.. كان هذا ايذانا بتسلقنا جبلا. وفي القمة تكشف الفضاء عن سلاسل جبلية بعيدة غاصت قممها في السحاب.
ولم نتوقف..
كان المطر قد سقط قبل وصولنا بيوم ومازالت بقاياه تحتل جوانب الطريق..
وعند العصر هاجمتنا عاصفة هوجاء..
وهكذا دعوت العاصفة الصغيرة المهذبة...
والجنوب في الصيف متقلب الفصول فالحرّ مرّة، والهواء المنعش أخرى.
وهو مايدفعك للرقص على الرمال ليلا.
ونتسائل لماذا لا تكون لنا سياحة صيفية صحراوية؟
ويأتي الجواب..
- هناك سياحة صيفية الى الصحراء.. وسياحة ناجحة ومازلنا في بداية الصيف..
ومع ذلك فهذه السياحة تحتاج الى دعاية وترويج.
الصيف الجميل..
ان احدا لن يقول كيف يمكن لي أن أتصرف كسائح في مدينة حضرية؟.. لكنني اتساءل ماذا افعل في الصحراء؟ هذا السؤال ليس غريبا.. بل ينبغي ان يطرح ففي المنعطفات تطرق العواصف باب شقتي باستمرار.. والهواء الحار يمر فوق انفي بدون تحية.. وهذا كله يسير معي في الطريق..
وثمة اعتراض: يها الفتى هذا جو شاعري..

واقول: يا ساداتي ماتقولونه حق.. ولكن هذا الجو الشاعري سيجعلني اخنق ومن ثم اغضب..
ويأتي الجواب:
- لا أحد يختنق.. ولا احد يغضب.
* ولكنني تحدثت عن الصيف في الصحراء؟
- وفي الصحراء ايضا.. فخلال هذا الصيف ارتفعت الحركة الرواجية للسكن والمطعم.. وهذا يحدث لأول مرة.. فماذا يحدث في المواسم المقبلة إذا ما تحركت الدعاية والترويج؟
وهمس احدهم: لا تنسى ان هناك حافلات لمصلحة نقل الركاب تعمل في الطرق الرئيسية.
ان ماقيل لي لحد الأن لم يقنعني انني لن اعاني من الحر الشديد.. فأنا مازلت امتلك دماغا يعمل بشكل جيد بحيث لن أتورط بالذهاب الى المنعطفات والسفوح الجبلية..
وثمة اعتراض آخر: يا فتى هذا ما يجب ان يحدث.. نحن لم نعش على تقلب الفصول في يوم واحد وهكذا ينبغي ان نستغل موسم وجودها لنتمتع بهذا الصيف الصحراوي الجميل.
هذه فكرة جميلة.. آن الأوان لنا أن ننطلق على الجبال.. آن الأوان لنا أن نسير على الرمال الذهبية.. ما معنى ان نغلق الأبواب من حولنا ونستخدم اجهزة التكييف؟
تعال وترى..
في فجر اليوم الثاني اطلقت الى أعلى منعطف.. كان الكثير من السحاب قد مرّ بي تاركا قطرات من الماء على ملابسي الصيفية.. وعلى القمة كانت السماء المكتظة بالمياه المتبخرة تبدو قريبة من انفي.. وتحت قدمي كانت الرمال الذهبية تفوح بالحر.. ومن القمة كنت ارى السحب تختفي أو يتغير لونها لينهمر ماء المطر في الوادي العميق تحتي..
اية طبيعة ساحرة هذه؟ كنت اعلم ان خلفي (مدينتي) تقوم الشقق السياحية وملاعب الأطفال والمطاعم والمسابح والفنادق والسينما....
لكن هنا كل شيء مجرد..
يا لجمالك يا ارض بلادي.. كانت أشعة الشمس تبدو شاحبة ومنطلقة الى اعماق السماء من خلف سلسلة الجبال البعيد..
وتساءلت: لماذا لا نصيّف في الصحراء؟
هذا السؤال حصلت على جوابه حين قال محدثي: لقد بدأ هذا النمط من السياحة..
واجريت تخفيضات في الأسعار بما في ذلك السكن.
* متى يبدأ الموسم الصيفي؟
- يبدأ من نصف يونيو وينتهي بنهاية يوليوز من كل عام.
ومع الشمس التي طاردت فلول الغيوم التي التجأت الى اعالي السماء وسلاسل الجبال البعيدة كنت اتسلق القمم الصغيرة المبعثرة.. كان الهواء قد فقد الكثير من حرّه..
وقال لي احدهم: هل ترى ذلك المكان؟
انها ثلاثة خيام ستفتح هذا العام.
وشعرت بحرارة داخلية تزداد بشدة.
المدن السياحية..
نحن على ابواب الشتاء.. والشتاء في الصحراء شتاء ناضج مكتمل الصفات وليس مماثلا لشتاء الشمال.. فهنا في الجنوب الصحراوي تمر عليك الغيوم من كل نوع.. غيوم سوداء السحنة واخرى بيضاء ناصعة وهناك الثلوج.. وهناك الريح الرخية واخرى عصبية المزاج كالعواصف الرملية في الصيف.. وعلى السفوح تنام الثلوج متلألئة تحت الشمس الحانية..
هنا يخفق القلب امام الطبيعة التي تستبدل ثيابها في كل لحظة.. وحين يسقط المطر ينقلب المكان الى عناق بين الأرض والسماء.. كما هي اللحظة الصيفية حين ينقلب المكان عواصفا رملية تكسوها الحمرة..
وهأنذا اجلس على صخرة تطل على الوادي الصغير الذي يفصل القمة اليمنى عن القمة اليسرى..
كان خرير المياه يمر في شق صغير على سطح الوادي هادئا ودون صوت.. وهي مزية الصيف في الصحراء.. قال محدثي:
في الربيع يتحول هذا المجرور الصغير الى نهر دافق..
وادفع بنظري الى الأعلى.. يا للسماء المتوهجة بالضياء.. اي صيف هذا الذي تعيشه صحارينا وجبالنا العظيمة..
يظل الجو هو سيد الموجودات.. وضعت يديّ في جيوب سروالي وانطلقت في الطريق الذي يرتفع الى السماء.. كانت الشمس قد انزلقت وراء سلاسل الجبال في الجهة الأخرى وبدأت السماء صافية الزرقة..
ان القلب يهفو كثيرا في هذا الجو الجميل..
ويا للصيف الرائع في الصحراء.