الجمعة، 8 ديسمبر 2006

أعز من ولدي

بينما كنت أضع في خزينة المصلحة.. رزم الأوراق المالية بعد عودتي من المتجر.. تجسم أمام عيني صورة الشيطان وهو يوسوس، وكأنه يشير بأصبعه ويدفعني لأخد أي مبلغ. أستطيع به السفر إلى الرباط وإعطاء أختي ما يسد بعض إلتزامات علاجها، بعد أن علمت من خلال سطور زوجها الذي أفضى فيه إلى بمرضها ...
كنت مترددا بشدة ..
ولكن للأسف حققت رغبة الشيطان، وإمتدت يدي وأخدت جملة من المال.. وبلا إرادة إمتدت يدي للمحمول طالبا إستعلامات محطة القطار ..
وإستعلمت عن موعد القطار الذاهب إلى الرباط، ونظرت إلى ساعتي، لم يكن في الوقت متسع إلا ساعة واحدة ..
** ** **
وسافرت إلى الرباط ..
ووصلت إلى البيت وطاف حولي شبح زوج أختي الذي تركت له الرباط كلها لأكسب عيشي بعيدا عنه بأن حصلت على شهادة إتمام الدراسة الثانوية لأنجو من سيطرته ونقمته على بسبب تفوقي في دراستي عن.. إبنه هو ..
وإلتقيت بأختي المريضة.. وجلست إليها ..
ومرت ساعة كأنها لحظة ..
وقبل إنصرافي من البيت لألحق بقطار الليل.. قبلت أختي طالبا لها الشفاء، متمنيا لها الصحة والعافية، ووضعت دون أن تشعر المبلغ.. إياه.. تحت وسادتها ..
** ** **
في الصباح ..
إستيقظت على طرقات باب منزلي ..
كان الطارق ساعي المصلحة.. وإستدعاني لأمر هام لمقابلة السيد المدير العام.. وفي الطريق ..
تزاحمت الأسئلة أمام عيني التي لم أجد لها جوابا ..
وأمام المدير العام ..
عرفت سبب الإستدعاء .
كان المراقب الذي يقوم بحراسة مبنى المصلحة ليلا قد أبلغ معاون قسم الشرطة بأنه عند مروره على غرفة الخزينة لم يجد الضوء الأحمر، من أجل هذا قام معاون القسم بدوره في المساء بإستخدام الضوء الأحمر للغرفة بمعرفته حتى الصباح لتكوين لجنة تحقيق تحت رئاسة المصلحة ..
وعندما عرفت ذلك.. عادت بي الذاكرة إلى أمس عندما أخدت المبلغ وإتصالي بمحطة القطار، وكان الوقت ضيقا ولا متسع فيه، لذا غادرت الغرفة مسرعا دون أن أقوم بإستخدام علامة الأمان ..
وإنقبض قلبي، وإزداد إنقباضه أكثر، فأكثر، وشعرت بدقاته تتسارع ..
وغرقت في دوامة مملوءة بالحيرى ..
ولا أعرف ماذا أفعل.. ولا كيف أتصرف ..
وتكونت لجنة التحقيق ..
وفتحت الغرفة تحت نظر المعاون ورئيس اللجنة ..
ثم سرت في خطوات بطيئة نحو الخزينة ..
كنت أسير كأنني أساق إلى ساحة الإعدام ..
وأخرجت بيدي المرتجفة من جيبي مفتاح الخزينة ..
ثم وضعته في ثقب الخزينة وأدرته ..
وفتحت ..
وبدأ العد ..
وكشف الإختلاس ..
وفي التحقيق تجمدت الكلمات على شفتي من رهبة الموقف، ولم أشعر إلا والمحقق يقول لي :
- لك مهلة لمدة 24 ساعة.. تصرف فيها وحاول أن تدفع المبلغ بأي طريقة حتى لايضيع مستقبلك ..
قالها بصوت هادئ أراحني نفسيا ..
وفي تلك الليلة لم يرى جفني النوم.. فكلما حاولت أن أغمض عيني تماثلت أمامهما ما يخيفني ويرعبني.. فلقد حاولت كثيرا أن أجد من يقرضني هذا المبلغ فلم أتمكن ..
** ** **
في الصباح اليوم التالي ذهبت إلى عملي ..
لم أكن بالفعل قد دبرت المبلغ المختلس.. وجئت لكي أساق إلى السجن لأنال ما أستحقه من العقوبة ..
وبينما كنت أشكر زميل لي.. كنت بالأمس كلفته بتدبير المبلغ.. فقابلني معتذرا وآسفا لعدم إستطاعته.. رأيته، رأيت ذلك الإنسان الذي أحال حياتي جحيما ..
رأيته بالفعل.. رأيت زوج أختي ولم أكن أعرف سبب مجيئه في هذا الصباح ..
وقبل أن أصافحه بادرته قائلا :
- كيف حال أختي ؟
- بخير والحمد لله ..
وأخدت نفسا عميقا بعد ذلك.. وحمت الله ..
وقبل أن أكمل حديثي معه إستدعاني المدير العام ..
وعندما إستأذنت منه.. دس في يدي المبلغ ..
ودهشت ..
وأفقت عندما ربت على كتفي قائلا :
- أسرع وإدفع المبلغ قبل أن يفوت الأوان.. وإني في إنتظارك ..
** ** **
في المساء كنت أجلس مع زوج أختي في منزلي أحتسي معه الشاي، وبعد أن إنتهى من فنجانه وضعه على الطاولة، وإعتدل في جلسته وأطرق قليلا ثم قال لي بصوت خافت :
- أتعرف أنني منذ أسبوع وأنا هنا في مراكش.. وخشيت أن أقابلك لأخبرك عن مرض أختك فتقابلني مقابلة لا أرضاها.. لذا فلقد أرسلت لك تلك الرسالة حتى لا أواجهك وجها لوجه ..
وبينما كنت أتصل بأختك ككل ليلة من مراكش لأستفسر عن صحتها وعلمت منها أنك سافرت إليها وتركت لها عشر آلاف درهم لتدبير أمورها.. ولذلك أسرعت إليك لأرد لك هذا المبلغ الكبير بالنسبة لك كمستخدم بسيط مؤقت، وقبل أن تتأزم أمورك، ويصعب حلها ..
وبينما كنت أنتظرك بالمكتب.. سمعت همهمة بعض زملائك وهم يرثون لحالك وعن المبلغ المختلس من خزينتك.. وعلمت حينئد أن المبلغ الذي تركته لأختك هو نفس المبلغ الناقص من خزينتك ..
لقد أرسلني الله في الوقت المناسب.. لكي أنجيك من العقوبة التي كنت ستتحملها في سبيل أن تثبت لي أنك أصبحت رجلا.. فمن أجل هذا إرتفع قدرك عندي ..
وأرجو يابني أن تزيح عن عينيك تلك الغشاوة التي رانت على قلبك وأزح هذا السور الذي أقيم بيني وبينك ..
وإنسى الماضي.. فالماضي لن يعود .