الجمعة، 11 أغسطس 2006

حالات التيه

في المساء عبر طريق الرميلة وقفت في منتصف الأوطوبيس رقم 2، مسندا ظهري إلى زجاجة الإغاثة، لأول مرة أكتشف المدينة ليلا.. ذوائب تتراقص.. تقترب لتتقاطع.. فتبتعد لتختفي.. هنا كل شئ شاعري، الجمال في كل ماتقع عليه الأحداق: المعمار.. الطرقات.. الحدائق.. البشر.. حتى القمامة لا تخلو من بهاء! هذه هي المدينة.
إكتشفت الأمكنة، وعشقتها، وإعتدت على إرتيادها في أيام معلومة، إما للمذاكرة أو للإختلاء بالنفس. ما بين باب قشيش وصومعة الكتبية، وقصر الجامعة وطريق المسافات الطوال. وحديقة السلام.. كان الزمن يسرع، وأحس به ينفلت من أصابعي مثل الزئبق!! تتملكني رغبة شديدة في العدو دون توقف، حال من يسابق ظله للتخلص منه!! ها هنا كان اللقاء.. اللقاء مع النغم الأصيل، والهموم الكبرى، وحمى السهر لإقتناء تذكرة تسمح بتناول أكلة سريعة في مقهى .
أعمد أحيانا إلى زيارة مقهى "خمس نجوم"، وأكتفي بالدخول والخروج مقلبا بصري في الزبناء، أختلس النظرات إلى نخبة من الفنانين وطلاب مثلي.
طولها الفارع، وعيناها الزرقاوان، ووجهها المعبر، وشعرها العسلي المنسدل! إبتسمت وتكلمت بالإنجليزية: "عودت عيني على رؤياك"، وإختفت في زحمة الحياة!! شعارها كان: "كن ذكيا وإكتسب".
عون مصلحة بالجامعة قلما يظهر، وإن حدث، رأيته في إحدى الزوايا متأبطا مكنسته في مشي متربص! إرتبط إسمه بقوة بيوم واحد في السنة، موسى يعني يوم الإعلان عن نتائج الإمتحانات الكتابية، إذ تناط به مهمة تعليق بياناتها، ولعل هذا ماأكسبه لقبه الشهير: "موسى دورة يونيو".
لم تمهلني المدينة حتى ألم حقيبتي.. أودعتني الحافلة ذاتها التي جئت على متنها ذات يوم، وعقب وصولي تسلمت رسالة النتيجة الهزيلة لأفكر في عام آخر جديد!! وبين دوار الحافلة والضيق المالي، خامرني شعور غريب مفاده أني تهت... ولكن في مدينتي.