الجمعة، 30 مايو 2008

وقفة مع التدوين

وسط جو من الغموض والإرتباك وبعض النوايا السيئة حول التدوين في الإنترنت، من المفيد أن نذكر بين الحين والحين بجهود يقوم بها مخلصون. إذ لا اختلاف حول أهمية الوجه الثقافي - الحضاري في تغيير الصورة السيئة، وهذا أفضل ما نملكه، بل هو أفضل من تجميع المال والنفط.
ولاشك في أن التدوين قد أصبح ينافس الإعلام التقليدي، وفي الأحداث الآنية له أهمية. ويحتاج التعامل فيه ومعه الى فهم له وإجادة أسلوب مختلف. وقد وعى كل هذا وأجاد تنفيذه كل مدوّن له إهتمام كبير بالكلمة الجادة. ورغم فارق الإمكانيات العلمية والثقافية وحتى التقنية بين المدونين إلا أنهم يحققون نفس الهدف.
مثلا في الشهور التي انصرمت من هذا العام، بدأ التدوين العربي تجربة جيدة هي تقديمه لحصيلة السنوات السابقة من التدوين في قالب ذاتي وكل بلغته وأسلوبه الخاص، ونجحت في هذه التجربة العديد من المدونات التي بدأت تتحدث عن التجارب التدوينية الشخصية طبعاً، وحتى الآن لاقت اقبالا غير عادي من المتلقي القارئ، لأنها تخاطبه بلغته وتفتح له عالماً جديداً عليه.
وهناك جانب آخر ذو أسلوب خاص، وقد قدم عليه العديد من المدونين العرب، من منطلق التوجيه، وبالتالي برزت على سطح الساحة التدوينية مدونات ذات وزن ثقيل.
إن المُدوّن عندما يبادر بالتعليق على موضوع أو حدث، ويقيم نقاشا تحت نفس الموضوع يدعو إليها المتلقي القارئ، فإننا ندرك على الفور، أنه أدرك الطريق الصحيح والفعّال.
والعمل في التدوين الإلكتروني ليس للتدوين فقط، وإنما أيضا لوزن التدوين العربي وبخاصة للدول الناطقة بالعربية، ونفس الشيء يقال عن عدد من المجتمعات المؤثرة في العالم. والتي نرجو أن تبزغ فيها ثقافة التدوين الإلكتروني النشط والفعّال.
اننا نكتب هذا لنذكر فقط، وقبل ذلك لنحض باقي مجتمعات التدوين العربية بالخصوص على اليقظة، والعمل.

الجمعة، 23 مايو 2008

فهمت

منذ سنوات فرضت على العراق عقوبات إقتصادية وحصار، بحجة الإستمرار في تصنيع أسلحة الدمار الشامل. السنوات مرّت والعقوبات كانت لاتزال موجودة لكن الضغوطات مستمرة، ولم نر أي تأثير أنذاك. كل ما فعله العراق هو الحفاظ على مصالح شعبه ونظامه، لم يفعل أي شيء إطلاقاً لرفع الحظر الدولي، بل على العكس قد يكون أحد العوامل التي ساعدت على استمراره وتطوره فيما بعد.
ثم جاء الهجوم الأمريكي وقام باحتلال بغداد ونصف الأراضي العراقية بل أكثر، والجيش العراقي واقف موقف المتفرج إلا قليل من الوطنيين والغيوريين، وكأنه غير معني بما يجري، وقد رأيناها أنذاك في التلفزيون كيف كان الجيش العراقي الذي تم تسريحه في وقت سابق يمر من أمام الدبابات الأمريكية والعلم الأمريكي يرفرف (مناظر لاننساها ماحيينا)، وأنا متأكد من أنه لو أن جيشا عربيا كان قد دخل العراق وليس الجيش الأمريكي لكان النظام العراقي قد أعلن الحرب فوراً ودون تأخير إنطلاقا من مبادئه المعروفة علناً وحفاظا على وحدة أراضي العراق من ناحية أخرى، أما الجيش الأمريكي فإنه، كما يعتقدون، لايهدد وحدة وسيادة العراق، وإنما سيأتي لهم بالحرية !
وكنت أتسائل عن سبب بقاء قوات الإحتلال الأمريكية والبريطانية في العراق بعد الحرب الرسمية وما الذي فعلته ؟ والآن وبعدما ساعد العالم على إشعال الفتنة بين الإخوة العراقيين فهمت سبب بقاء هذه القوات..
إنه بكل بساطة لإشعال الفتنة ونهب خيرات العراق وخاصة النفط (الذي تحدثنا آخر أخباره بأنه يواصل إرتفاعه ومن المحتمل أن يسجل في النصف الثاني من هذه السنة 2008 أكثر من 141$ سعر البرميل الواحد) وكذلك ترك العراق يتخبط في دماء شعبه الى أقصى حد.

الجمعة، 16 مايو 2008

الخارجون على القانون

المقهى في تلك الساعة بعد الظهيرة مزدحم برواده... سكونه بديع لايعكر صفوه إلا ضحكات عريضة منبعثة من بعض الطلبة الجامعيين (الذين يرتادون هذا المقهى في أوقات فراغهم بحكم قربه من جامعتهم)، وتصفيق الزبائن عند تأخر وصول مشروب.
جلست مع صديقي في ركن بعيد عن العيون، كنا نراقب ما يدور حولنا في صمت وهدوء.. لفت نظرنا حركة غير عادية بالشارع أمامنا، ومجموعة من الشباب يتدفقون على المقهى وقد بلغ بهم الهلع والخوف حداً مضنياً.
سمع الجميع أصوات أشياء تنكسر، أناس تركض في جميع الإتجاهات، وتصرخ بشكل رهيب للغاية.. وفجأة صاح أحد الشباب الذين تواجدوا فجأة في المقهى.
- قوات الأمن تهاجمنا.. توجهوا داخل المقهى، انصرفوا الى أي مكان للإختباء. أو للهروب.
ورأيته يقوم بإغلاق أبواب المقهى.. ولم يتمم كلامه حتى وجدنا أنفسنا محاصرون من جميع الجهات كأننا في ميدان قتال.. لأن جميع من كان في المقهى اختار الهرب.. مال صديقي على أذني وحدثني بصوت خفيض.
- النوايا الأمنية ليس لها حل سوى ((الضرب))! وبالتالي لنفكر في خطة للهروب.
* أي هروب وماذا فعلنا ؟!
- كما تعلم فالمقهى على مقربة من الجامعة، وفي علمي أنه ستقام اليوم مظاهرة طلابية في الحرم الجامعي وحتى خارجه. ولهذا السبب تواجدت قوات الأمن، ومن المفيد أن نبحث عن ممرّ نخرج منه قبل أن تقع المواجهات والإصطدامات بين الأمن والطلبة !
وخلال رحلة الخروج من الحصار الأمني وقعت المواجهات حقاً. وفي ((بطولة)) جوفاء خالية من النبل ومن أي إحساس إنساني رفعت قوات الأمن هراواتها أمام المواطنين، وراحوا يضربون ويطاردون !
وكان بعض طلاب هذه الجامعة يواجهون الطرف الآخر مواجهات شديدة الأهمية، ومن هنا كانوا هدفا للضرب خلال مسيرتهم العارمة، حيث وقعت الصدامات بينهم وبين قوات الأمن. بشجاعة يحسدون عليها ! لم أسمح لنفسي أن أكون متفرجا، ولذا فإني أشارك بقلمي من الموقع الذي شعرت أنه الأقرب الى الحق.
لست اعرف بالضبط سبب المواجهات ولا مطالب هؤلاء المتظاهرين، لذلك فإني لا أرى جيداً الأهداف، وهناك تداخل شديد في الأشكال والألوان لكثرة الفرقاء، حتى ليبدو لي الجميع فريقا واحداً، ومعذرة إذا كنت أصارحكم بأنني لا أجد الديمقراطية أو العدل من بين هذه الغايات، المتظاهرون يرفعون شعارات متقاربة ربما بلهجات متعددة، ولكن الظاهر شيء والباطن فيما أعتقد شيء آخر. لكن تروعني سياسة الضرب كثيراً)). قال صديقي غاضبا : لكن المظاهرات بدون سياسة تقنين رغم شرعيتها سيفتح الأبواب على مصراعيها للعنف الإجتماعي.
أخشى، أيها الصديق العزيز أن لا تكون قوات الأمن قد تجاوزت حدودها بين الماء واليابسة. وهي أغلى من أن يفقد المواطن الثقة فيها.
أتمنى في أي حال أن تعامل هذه القوة كجهاز أمني للدولة، الجميع على قدم المساواة، فالثقة المتبادلة تكون ببناء الدولة الوطنية التي يتساوى أمامها جميع المواطنين في كرامة وحرية دون اخلال أو قهر. ولن يكون ذلك إلا حين ينطوي الجميع تحت لواء الشرعية فيسيطر القانون والدستور على الجميع دون تفرقة ودون ابتزاز وقمع أحد الأطراف.
في هذه الحال لن يستطيع جهاز الأمن ولا المواطنين أن يتجاوزوا حدودهم ولا أن يطرقوا باب الخروج على القانون.

الجمعة، 9 مايو 2008

التدوين العربي

في الأعوام الأخيرة بدأ الإهتمام واضحا بعالم التدوين العربي.. وهذا الإهتمام له مبرراته بالتأكيد.. فعالم التدوين قد فرض نفسه من خلال الموضوعات الحساسة التي طرقها ومن خلال الأساليب التي وظفها - الى جانب كل هذا ففي العالم العربي شعوب تناضل من أجل الحرية والرفاه الإجتماعي الى جانب النضال الذي يخوضه بعض المدونين من أجل تحريك مشاعر المسلمين ضد اليهود لتحرير الأرض الفلسطينية ومنع الظلم الواقع على المسلمين الفلسطينيين، وغيرهم !
ونجاح هذا التدوين والتصاقه ((بالعالميّة)) يكمن أيضا في أنه تدوين يمتلك ملامح إنسانية.. تعبر عن معاناة مجتمعاتنا العربية.
وقد اهتم العرب بالتدوين منذ زمن قريب (كان من المفروض الإهتمام به قبل هذا الزمن)، فقام عدد من المثقفين بإنشاء مواقع لهم، شهدت بعد ذلك متابعة واسعة أدى الى ظهور هذا العدد الهائل من المدونات اليوم..
ويأتي ظهور المدونات على كثرتها حسب رأيي كضرورة ملحة وذلك لأهميتها وقيمتها ولثِقَل المواضيع التي تطرحها - والتصاقها بالواقع الإجتماعي والإقتصادي للمنطقة العربية المعاشة بشكل أو بآخر، فالمُدوّن العربي عندما يهتم بواقعه لايكون هذا الإهتمام ناتجا عن ((عقدة)) كما يسميها البعض.
بل ان ذلك ينبع من أهمية وجدية واقعه.. اضافة الى الهموم المشتركة التي تربطنا.
فالمسألة هنا ليست بمسألة ((انبهار)) ولا مسألة ((عقدة)) بقدر ما هو نقل للواقع ولكنه نقل من نوع خاص.. ان التدوين يعبر شئنا أم أبينا عن جزء كبير من همومنا وطموحاتنا وفي خصوصية بارزة... ومن هنا تأتي مسألة مهمة وهي التفاعل الذي يخلقه مجتمع التدوين وطريقة التعامل معه ضمن منهج قويم صحيح.
ومسألة الإستلاب هنا غير واردة أيضا لأن التدوين العربي كما ذكرت، تدوين يعبر بصدق عن واقع متشابه لواقعنا العربي.. ، وهو تدوين مناضل من أجل قضايا خاصة وعامة.. ذاتية وموضوعية.. نناضل نحن كمدونين من أجل تحقيقها وخاصة في المجال الوقائعي.. إذن ليست هناك ((عقدة)) ولاحالة استلاب ولاقضية ((محاكاة)) تجاه مجتمع تدوين معين... بل المسألة المطروحة هي كيف نتعامل مع التدوين وكيف نستفيد منه.. وكيف نوظف بعضاً من أدواته التقنية لصالحنا... كل ذلك مع الإلتزام الكامل بتراثنا وواقعنا المعاش وطموحاتنا المستقبلية...