الجمعة، 29 أغسطس 2008

من اجل بناء تدوين جاد.. !

إن أيّة محاولة لبناء تدوين جاد عليها الأخد بنظر الإعتبار طبيعة هذا التدوين وأنواعه ومن ثم خصوصيات كل نوع ومتطلبات مدونيه التي تختلف عن النوع الأخر.. وعلى ذلك يمكن تقسيم الإنتاج التدويني الى ثلاثة أنواع من المدونات.
1- المدونات المكتوبة :
وهي مدونات تعتمد الوسائل التدوينية المعروفة باستخدام الكتابة والصور.. وهي تمتلك نسبة من التأثير أقل من الأنواع الأخرى بسبب طبيعتها النصية. كما أن هذه المدونات ترتبط ارتباطا وثيقاً بتطور العملية التدوينية كلها.
وتغني الصفة الواقعية لهذه المدونات تأثيرها في جعل المدونين يكتبون التجربة الحياتية وكأنهم يعيشونها عبر معايشتهم للناس جميعا الذين هم في معظم الأحيان أمثالهم.
وكتنبيه لضرورة هذا النوع من المدونات يجب على المجتمعات المعنية وضعه ضمن خططها الحياتية لما يشكله من ضرورة تثقيفية واجتماعية تفوق في تأثيرها وسائل الإعلام المكتوبة نفسها.
2- المدونات الصوتية :
ظل التدوين الصوتي الى يومنا هذا يتميز بكونه التدوين الأصعب الذي يحتاج الى كثير من الجهد والصبر ويحتاج أيضا الى وسائل أخرى لإنتاج لمثل هذه المدونات. وبالمقابل تمتلك المدونات الصوتية تأثيراً كبيراً في أوساط المجتمعات من خلال المتعة التي يحصلون عليها من خلال الإستماع فقط.
واحتواء هذه المدونات على قدر كبير من التأثير.. كما انها استعملت بشكل كبير في توضيح المسائل العلمية والدراسية عبر تقنية (Podcast).
وما دام الغرض الأساسي لهذه الدراسة هو البحث عن بناء مثل هذه المدونات في مجتمعاتنا.. فإن أول شيء علينا الإنتباه اليه هو ما وصله هذا التدوين من تطور وأساليب وتقنيات جديدة تواكب هذا التطور.
ومنذ نشأة هذا التدوين حتى الآن. فقد استطاع الخروج بالمدونات من أسوار التسلية وتمضية الوقت الى معالجة مشاكل الحياة اليومية وللدخول الى مختلف المواضيع سواء كانت سياسية فلسفية أو اقتصادية اجتماعية ومن ثم كانت رائدة عالم التدوين الجديدة..
كل هذه الإتجاهات وأخرى لم يسعنا ذكرها هنا تدل على الخصوصية والتميز والإبداع هما الأساس في أيّة محاولة لبناء تدوين جاد وإلا فانها ستفشل في أن تنافس ما هو مطروح على الساحة من مدونات واتجاهات وتقنيات عالية.
إن البدء في إنتاج مدونات صوتية لا يحتاج الى إمكانيات ضخمة.. واستديوهات عملاقة بقدر الحاجة إلى بناء ستديو صغير وتجريبي يكون كأساس لإنتاج هذه المدونات وابتكار أساليب وتقنيات جديدة باستطاعتها فيما بعد النهوض بهذا النوع من المدونات.
هذا الأستديو يجب أن يضم جهاز حاسوب وميكروفون وبرمجية للتسجيل وتحرير الأصوات..
كقاعدة بناء صلبة لإنتاج هذه المدونات.
3- المدونات المرئية :
يمتاز أكثر مدوني المدونات المرئية.
بأنهم يقومون بالتصوير أو نقل الأحداث دون أدنى تعليق صوتي، وذلك يدل على صعوبة هذا النوع من المدونات وارتباطه بتقنيات فنية مرتبطة ارتباطا وثيقاً بالمعرفة العلمية، حيث يحتاج هذا النوع من المدونات الى مجموعة كبيرة من التقنيات تحتاج الى امتلاك خبرات كافية في مجال الصناعة المرئية ومعرفة لا بأس بها في مجال تحرير الصور.
وبناء استديو للمدونات المرئية يحتاج الى جهاز حاسوب وكاميرا رقمية وبرمجية للتسجيل وتحرير الصور وعدد آخر من التقنيات.
ويعتبر توفير هذه الوسائل في الأستديو كأساس لتكوين وحدة إنتاج المدونات المرئية بشكل جيد !
ومن كل ذلك يتبين لنا عدد الإختصاصات التي يجب توفرها في المُدوّن لإنتاج مدونات من هذا النوع من تصوير وتسجيل وتحرير إضافة الى تقنيات العملية التدوينية المعروفة.
لذا فإن أول شيء يصار إلى ذكره عند الحديث عن مدونات من هذا النوع هو إعداد استديو متخصص..
وهو بنظرنا يتم بمعرفة خاصة على هذا النوع من المدونات بما يضمن إنتاجها بشكل جيد.
ومدونين متخصصين بإمكانهم بناء قاعدة مدونات مرئية على شبكة الإنترنت ذات جودة عالية.. ولضمان إستمرار العملية يجب أن يكون عددهم كبيراً...

الجمعة، 8 أغسطس 2008

المدونات الخضراء.. إبداعا

كان السؤال الذي حملته في داخلي لأكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة هو التالي: ((كيف نفسر عدم اشتهار أي مدوّن عربي جاد منذ ظهور موجة التدوين؟ علما أن التدوين فرض شهرته في الحياة الإفتراضية؟ لماذا لا نسمع صوت المدوّن العربي بتلك النبرة الجادة القوية بإرادة الحياة في عصر التفاعل الإفتراضي الجديد؟ هل يعني ذلك أن التدوين ظاهرة استثنائية لم يستطع المدون العربي أن يظهرها؟)).
وشيئا فشيئا بعد دراستي لبعض المجتمعات التدوينية العربية أحسست أن سؤالي بصيغته هذه يحتاج الى تعديلات. كان الشيء الغريب أن التدوين العربي يعج فعلا بحركة ثقافية خصبة نشطة في جميع الميادين تقريبا، ولكن هذا النتاج لا يصل إلينا، وما نتوصل به لا نتفاعل معه كما يريد كاتبه أو مدوّنه منه. وهذا ما يجعل صوت المدوّن العربي خافتا على الساحة التدوينية أو خارجها.
وفي منصة تدوينية، زرت مدونات تعرفت من خلالها على كتّاب وكتابات متميزة النكهة، كما وجدت فيها وثيقة تسجيلية لتنامي المدونات العربية في السنوات القليلة المقبلة. ومن خلال ما استطعت أن اقرأه من مقالاتها وادراجاتها حتى الآن أستطيع القول أن المدونات العربية في وضع أفضل مما كانت عليه منذ ظهورها لسنوات قليلة، وانها لا تعاني أزمة التوقف التي تعرضت لها سابقا، بل على العكس من ذلك يبدو عليها أنها في بدء انطلاق جديد. وان كنا لا ننكر أنها تأثرت بالمواضيع غير الجادة الى حد الإسفاف أحياناً.
ومن خلال ما كتبت من ملاحظات عن بعض المدونات قصد الدراسة طبعا، وما لمسته من مدوّنها أثناء حواراتي معهم، وما تعرفت اليه من قائمة مواضيعهم التي تعد بالعشرات، وجدت مدونين يجمعون بعمق بين الأصالة العربية والثقافة المعاصرة ويسمون بكثير فوق عشرات المدونين الذين يغرقوننا بمواضيعهم الساقطة التي لا تفيد قطعا ! (وهم في ذلك معذورون لجهلهم في هدف وجودهم في هذه الحياة الإفتراضية، وخاصة مجتمع التدوين (...) ولكن مع هذا السمو لم نتفاعل مع مدوناتهم الرصينة بالشكل الذي تستحق.
كما قمت بمقاربة بعض المواقع التشاركية الفكرية للمدونين، ومنها موقع يشرف عليه أحد أصحاب المواقع المشهودة في التعريب الثقافي وتصفية أثار الأعجمية اللغوية.
وعلى الرغم من اختلافي مع بعض المدونين حول اتجاه كيانات الشخصية الإقليمية في الوطن العربي في طرح المواضيع، وضرورة تقديم البعد العام أو القومي – بشكل مبدئ قاطع – على البعد الخاص أو المحلي، فإني وجدت فيهم محاوريين يتحسسون بصورة نابضة القضايا السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية وحتى التقنية بمستجداتهم المعاصرة وعلى استعدادهم ليستمعوا الى وجهة النظر الأخرى بسماحة عربية أصيلة أصبحنا نفتقدها للأسف في مجالات الحوار بين الإتجاهات الفكرية المختلفة في الوطن العربي.
وهنا لا بد من التنويه بجو الإنفتاح الفكري الذي أصبح ملحوظا في أوساط المُدوّنات والحياة التدوينية بشكل يتيح المجال لنمو التجديد الصحي. هذا مع تنامي تيار الحفاظ على الأصالة العربية الإسلامية في الشخصية التدوينية المعاصرة، وهي أصالة وجدتها متمثلة في مدونات حرصت على أن تجسد نفسها الرعيل الصلب في شؤون الإسلام والعصر وبما تطرحه من مواضيع ومن منطلق التشبت بالأصل والإنفتاح على العصر !
وبعد: فإن قصور وسائل الإعلام والدعاية بين المدوّن والمتلقي القارئ عامل هام في اضعاف التفاعل بين الجانبين. ولكن هذا ليس جوهريا على أهميته.
ما هو الجوهري أن توجد لدينا حالة الإنفتاح النفسي والذهني للتفاعل والتعرف والإستفادة دون أحكام مسبقة.
وأعتقد أنه في غمرة الأزمة التي يمر منها المُدوّن العربي الجاد، أمام مدونين يحصلون على متابعة وشعبية في نظره لا يستحقونها، تستطيع الحركة التدوينية العربية أن تعطينا دما جديدا نحتاجه لمقاومة الركود الذي طال على مدوناتنا. وهذا يعني أن المدونين الذين لا يقدمون شيئا هم الخاسرون في حالة استمرار تغافلهم عن الإبداع المتفتح في التدوين العربي.