الجمعة، 7 يوليو 2006

السطور المنتفضة

تأملات مملوءة بالتوجس، لكن الصمت يلتهمها. أمسكت القلم وكتبت في مفكرتي : "ماذا وقع في هذه المدينة؟ ! اكتسحت المنازل الخضرة، كثرت المقاهي كأنها الفطر، نشطت السمسرة في عقل بني آدم، لا فرح يبشر ولا سرور يبهج، فقط الموسيقى تصمم الأذان... تذكرني بأيام الصبا.
خرجت إلى الشارع أجوب الطرقات، نسيم الريح يميل الأشجار، ويداعب النهود التي في الصدور والأطيار التي في السماء. دنا شاب من فتاة مليحة ،وهمس لها بكلام. بلا تردد أجابته بلغة أجنبية، واندس بين الناس واختفى في الزحام، فقلت حينئد : "أن اللغة من أخطر النعم".
كنت أمشي متثاقلا، يرافقني بيت شعري يقول:
كل شئ له دواء يستطب به ** إلا الحماقة أعيت من يداويها
وجوه مثل القمر وأخرى كالحجر والفرق كبير شبيه بالنور والظلام. أمام محل ساندويش وقفت طفلة وفمها يسيل من اللعاب، أدركها شخص فأشار إليها، فذهبت إليه مسرعة، لا أعرف ماذا كان بينهما. لأن الزحام الكثير جعلني اتجه إلى زقاق يسهل تعداد المارين به. التقيت صديقا لم أره مند سبع سنوات ونيفا. تعانقنا بحرارة وكلانا يلعن هذا الواقع الذي فرق بيننا. آه كم استحضرنا من صديق في هذه اللحظات المعينة لكن كل ما نعرف هو أننا لا نعلم عنهم شيئا أذكر أننا تواعدنا مساء يوم حار من أيام شهر يوليوز في مدينة البهجة. إستقل هو طاكسي صغير، فيما ركبت أنا حافلة الرصيف رقم 2، حافلة تحسب نفسك داخلها في سوق شعبي. فيها بيض وسكر ودجاج وأرانب وخضروات و... مرة قلت مازحا لطالب يجلس بجانبي: خيرات هذه الحافلة تجعلنا لا نبرحها لمدة شهر، فقهقه عاليا، إلا أن رجلا مسنا لم تعجبه قهقهة الشاب فرد عليه بأن الضحك له حدود وأنه... لم يدعه يتمم الحديث فقال له: من حقي أن أضحك وإذا كانت زوجتك تنغص حياتك لأنك تقدمت في السن. فما ذنبي أنا؟ كاد الأمر أن يتطور إلى عراك لولا تدخل بعض الركاب.
مرت سبع سنين دون أن ألتقي بناصر. هزل جسمه وبح صوته رغم أنه في ريعان شبابه، كان يرتدي قميصا وسروال دجينز..
كان يكتب قصائده في الليل وفي الصباح يقرأها على طلبة متميزين ثم يحرقها. وعندما استفسرته مرة عن ذلك قال: إنها تحرقني لحظة الكتابة! طالما دافع عن شعراء عظام مثل: شوقي والبارودي لكن كان يهوى المتنبي كثيرا أما الأسماء الأخرى فيطالبها بالإبتعاد عن الشعر لانه ليس حرفة !.
تابعنا السير جهة الساحة العامة نستحضر الذكريات، الحماقات، السخرية من طلبة كانوا يدمنون الإستمناء، من أساتذة يتهربون من من أسئلة الطلبة !.
جلسنا على كرسي من الكراسي العمومية نشاهد الغادين والرائحين، دخن سجارة ثم قال لي: "أبوح لك أنه عندما كنا صغارا قالوا لنا: ليس التأليف عار لكن العيب كل العيب أن توقض بإيمان شعرك قلوبا قفارا". أسدل الليل ستائره المعتمة، والأضواء المتناثرة توصل بإشعار مدينة ساحرة. قلت لصديقي: لما لاتكتب رواية؟ وقف بغتة ثم قال : سأكتب رواية أحكي فيها محطات عذابي على سطور منتفضة، ولن أضرم فيها النار، بل سأبحث عمن يترجمها إلى الإنجليزية.
عدنا من حيث أتينا واقترحت عليه أن نتناول شيئا، غير أنه اعتذر قائلا: أنا الليلة بدون شهية لدي موعد مع السطور بعد ساعات، أكتب لي عنوانك، سأبعث لك رسالة مستقبلا، أراك قريبا.