الجمعة، 30 مارس 2007

مولد الرسول الأكرم

ولد الرسول صلى الله عليه وسلم، يوم الإثنين من شهر ربيع الاول في مكة المكرمة عام الفيل 571 م من أبوين معروفين : أبوه عبد الله ابن عبد المطلب، وأمه آمنة بنت وهب، سماه جده محمدا، صلى الله عليه وسلم ، وقد مات أبوه قبل ولادته.
ولد الهدى فالكائنات ضياء // وفم الزمان تبسم وثناء
إن من واجب المسلمين أن يعرفوا قدر هذا الرسول الكريم، فيحكموا بالقرآن الذي أنزل عليه، ويتخلقوا بأخلاقه، ويهتموا بالدعوة الى التوحيد التي بدأ بها رسالته متمثلة في قوله -تعالى- : {قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به احدا} سورة الجن 20 .
جعلت سياج هذا الدين عدلا // وعدل الله لا ياتيه خرق
عبد الملك البغيتي
إن من واجب المسلمين أن يشكروا الله على بعثة ومولد الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، فيتمسكوا بسنته، ومنها صيام يوم الإثنين الذي سئل عن صومه فقال : "ذاك يوم ولد فيه، وفيه بعث، وعلي أنزل". (أي القرآن).
يقول البغيتي:
رسول الله يومك خير يوم // له في الفضل منقبة وسبق
إن خير مابذلت فيه الأوقات، وشغلت به الساعات هو دراسة السيرة النبوية العطرة والأيام المحمدية الخالدة.
يقول البغيتي :
يذكرنا، وفي الذكرى اتعاظ // لمن لهمو بهذا الدين حذق
أما الإحتفال بيوم مولده، صلى الله عليه وسلم، الذي أحدثه المتأخرون، فلم يعرفه الرسول والصحابة والتابعون ولو كان في الإحتفال خير لسبقونا إليه، وأرشدنا إليه الرسول، صلى الله عليه وسلم، كما أرشدنا في الحديث السابق الى صوم يوم الإثنين فليس الفرح بأولى من الحزن على موته صلى الله عليه وسلم. وهذه حجة من هم ضد الإحتفال.
يقول البغيتي :
ومن ذا، يارسول الله، فينا // لهذا اليوم لم يغمره شوق؟
وأضافو أيضا : أن الأموال التي تنفق في الإحتفالات، لو أنفقت في بيان شمائل الرسول، صلى الله عليه وسلم، وسيرته، وأخلاقه، وأدبه، وتواضعه، ومعجزاته، وأحاديثه، ودعوته التوحيد التي بدأ بها رسالته وغيرها من الامور النافعة، لو فعل ذلك المسلمون لنصرهم الله كما نصر رسوله صلى الله عليه وسلم.
والإبتداع وكل أمر محدث // في الدين ينكره أولو الألباب
إن المحب الصادق للرسول، صلى الله عليه وسلم، يهمه اتباع أوامره، والعمل بسنته، والحكم بقرآنه والإكثار من الصلاة عليه، صلى الله عليه وسلم.
أعني الرسول فـإن الله فضله // على البرية بالتقوى وبالجود
فينا الرسول وفينا الحق نتبـعه // حتى الممات ونصر غير محدود
حسان بن ثابت
بيد أن في بعض الدول العربية الإسلامية يحتفلون بعيد المولد النبوي بحجة إظهار الفرح والسرور لصالح صاحب الذكرى في وقت طغت فيه الماديات على الروحانيات في شتى المجالات الفكرية والسياسية ولهذه الأسباب استحب بعض العلماء الإحتفال بعيد المولد النبوي رغم إجماع معظم العلماء والفقهاء بأنها بدعة إلا ان من استحبوها ذكروا ان يكون الإحتفال من أجل بيان أعماله الصالحة وفضائله ومعجزاته، صلى الله عليه وسلم، ونشرها بين الأنام حتى تكون حافزا للأجيال الصاعدة.
والدين يسر والخلافة بيعة // والأمر شورى والحقوق قضاء
أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى // فالكل في حق الحياة سواء
ظلموا شريعتك التي نلنا بها // ما لم ينل في رومة الفقهاء
صلى عليه الله ما صحب الدجى // حاد وحنت بالفلا وجناء
أحمد شوقي
نقف عند سيرته وحسن سلوكه والصبر على البلاء والمصائب والتواضع حتى يكون نبراسا لمن يريد الإقتداء بالرسول الأمين في الدنيا هدى وفي الآخرة شفاعة.
إن فاتكم أن تروه بالعيون فما // يفوتكم وصفه هذه شمائله
مكمل الذات في خلق وفي خلق // وفي صفات فلا تحصى فضائله
وما أحسن قول الشاعر :
وإنما الأمم الأخلاق مابقيت // فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
اللهم ارزقنا العمل بكتابك، وسنة نبيك، وارزقنا حبه واتباعه وشفاعته، صلى الله عليه وسلم، يوم القيامة.
ونبقى مع هذه الأبيات في حق الرسول محمد عليه أزكى الصلاة والتسليم :
يامجدها بهدي الحبيب المجتبي // وبنور خير الكائنات محمد
ياعزها يافرحها بالحبيب // بالبشريات وبالمنى، والسؤدد
اليوم يوم البعث للدنيا // ومايسري بها من وقف ومرقد
هذا رسول الله جاء // مبشرا بسعادة الدنيا يوم المولد
جمع الفضائل في شمائله // على خلق عظيم سيد من سيد
أدب تبارك من أقام لوائه // لمحمد وحبا أكرم مقعد
ذ / مصطفى مراد صبحي

الجمعة، 23 مارس 2007

نظرات في الجمال

الجمال قوام الوجود، والخيط الذي ينظم حباته عقده. وهو على أنواع. فهناك الجمال الأدبي أو الفني، والجمال البشري أو الطبيعي. الأول يحتاج - سواء في تذوقه أو توليده - الى مهارات وخبرات خاصة. فتذوق الجمال الكامن في لوحة تشكيلية أو قصيدة أو مقطوعة موسيقية يستلزم ثقافة وإلماما ودراية، وهذا مالا يتوفر في الإنسان العادي. أما الشعور بالجمال البشري - جمال المرأة - فهو حاسة فطرية مطبوعة في النفس البشرية . وهو أمر لايختلف فيه إثنان، العالم والجاهل. وفي الوقت الذي نقف فيه مبهورين بحمال الطبيعة أو مأخودين بجمال الفنون والآداب .. نتذوقها بحاسة أو أكثر. نرى أن كل حواسنا، تقريبا تستنفر وتنشط وتتآزر في حضرة جمال المرأة.
والجمال المثالي في أحسن تعريف له هو : " نفس جميلة في جسد جميل" كما يقول (تولستوي) وهو يتركب من النظام والتوازن والتناسق بين أجزاء الموضوع أو الشيء. وينجم عنه بالضرورة إحساس بالراحة والمتعة. وهو موضوعي ما لم يتدخل فيه عامل الثقافة أو الخيال. وفي هذا المعنى يقول الشاعر : ( إذا الحاجات آدت / فاطلبوها الى من وجهه حسن). ويقول آخر : (وإذا لم يكن من العشق بد / فمن العجز عشق غير الجميل) .ولا أحد ينكر أن قوة المرأة في ضعفها، وجمالها، وضعف الرجل في قوته، وإلا فما سر تصدع وانهيار هذه القوة في مواجهة جمال المرأة. ولأن الحياة جوع لايشبع فسوف يظل سر الجمال الواحد .. المتعدد، ساكنا في أغوار ذلك البحر الذي كلما شربنا منه ازداد عطشا، وليس سعي الإنسان وتطلعه الى الجمال إلا لأنه يتوق الى الكمال والوحدة والترقي. الى منبع الجمال كله.
الجمال باختصار : هو كل مايجعلنا نهتف من أعماقنا ونقول : (( الله)).

الجمعة، 9 مارس 2007

تأملات بعد الظهيرة

ما أن يذكر أمامي العالم العربي اليوم حتى تتنازع فكري أنباء الصراعات وسياسة القوى العظمى والإتفاق أو الإختلاف في وجهات النظر ومحنة الفلسطينيين في الضفة الغربية والشعب العراقي ولبنان وأفغانستان. تلك هي الصورة التي تقترن بذهني حينما أفكر في تلك البقعة من العالم بإعتباري مهتم بأخبار هذا الوطن. إنه عالم واقعي مر تزداد صورته كثافة إذا جال المرء بفكره المجرد وعقله المتزن وأضاف إليها تقريرات المحلليين وإنطباعات الصحفيين.
لكن دعني أستحضر الذاكرة وأشحذ حواسي لأعود إلى أيام طفولتي في مراكش. تلك الأيام الحلوة التي عشتها تحت سماء لايخالط زرقتها أي لون آخر. إنني أرى الحياة البسيطة بين أحضان أزقة مراكش الضيقة ": لعب الصبا، نخيل متفرق هنا وهناك يسطع بخضرته يستهوي أبناء مراكش بشموخه، نساء يرتدون الجلاليب، ورجال محافضون، حلاقات جامع الفنا، وهناك روائح غريبة.. أتذكر الآن الطنجية المشهورة عند المراكشيين. أو الأكلة المفضلة عندهم.
ثم أقطع بسرعة ثلاثة عشرة سنة تلت تلك الفترة فتعود بي الذاكرة إلى المنطقة ذاتها إلى قلب مراكش ببهرجها ومرجها ويطبق على الجو ستار من السكينة والصمت تحت حر الصيف بعد الظهيرة، سرعان مايتلاشى مع تقدم النهار ومن لحظة إلى أخرى تتغير الضياء بلون المساء مساء مراكش الأصيل صفراء وبيضاء وأرجوانية.
كنا نقضي إجازتنا وأردنا بعد أن سئمنا شغب الدراسة إلى جانب المذاكرة المتواصلة أن نقوم بزيارة المآثر التاريخية للمدينة والتمتع بها وفسحة تجوال عابرة لأقطار مراكش. وكان أكبر حافز لنا على هذه الفكرة هو إستحضار أمجاد الأجداد ومعالمهم الباقية مدى محافضتنا عليها، لقد خرجنا في هذه الجولة بمشكلات كبرى وتمدد حواراتنا لتشمل الأصيل والمعاصر وبين الحفاظ على ماضي الأجداد أو إقصاءه هذه النتيجة التي تولدت عن مشكل إندثار وإختفاء عدد من معالم مراكش التي كانت تعرف به. وقد حاول أحد المختصين في هذا المجال أن يحدد لنا عدد الأبواب - أبواب مراكش - وكان الإختلاف، فتراوحت بين 7 و 25 باب. ولعل مرد ذلك إلى عدم التمييز بين الأبواب الداخلية والخارجية، وإلى إختفاء عدد كبير منها كباب تاغزوت، باب مسوفة، باب الراحة، باب نفيس، باب الصالحة.. وحل المساء وقضينا الليلة تجمعنا جلسة شاي، وإعادة شريط الجولة، وتساءل أحدنا عن الجدوى من وراء التطرق لهذه المعالم والمآثر والتي إندثر معضمها!. إلا أنني أرى بأن هذا هو دور التاريخ، فهو يحفظ لنا ما اختفى أو مافات لنحفظه نحن بدورنا، حماية له من الضياع في بحور النسيان والتهميش.
وأسوء الحظ أننا لم نؤدي دور الحماية وهكذا ترى مراكش بدأت تفقد ملامحها ورمزيتها وهويتها وسحرها الجميل.. ينتابني التحسر حين أمر على بعض شوارع مراكش وأزقتها وأتذكر أن هناك كانت قلاع وحصون في عهد ما وهنا تأسست جامعة كذا في عهد كذا. وآخر مكافأة عظيمة خفقت لها القلوب المعلمة التاريخية الكبرى جامعة ابن يوسف التي ألقت حتفها الصيف الماضي، وإني أبكي سوء حظ هذه المدينة الحمراء التي تغيرت سماء مآثرها إلى الرمادي والأسود .
إن المرء يعتز حين يشاهد ماضي أجداده ويحفظه بجميع الوسائل حتى لا يغرق في بحور الأزمان. والعكس يشاهده أبناء مراكش وجيشه مسلح لتدمير معالم بلدته وتهوين قواعدها وطمس حضارتها تحت صمت رهيب. ساعتها أدركت أن المعركة ستكون خاسرة، لأن جيشنا لايعلم أنه يرفق بنا كي يقسو علينا ولأن ضميره الذي يتحدث عن السياحة في أرض مراكش عرضة لأمراض الجيش الآخر ومن في قلوبهم مرض والتي تسري في جيل مراكش الجديد. إنني مازلت أتمثل هذه الجولة بتساؤلاتها ونتائجها الحية في مخيلتي.
وسرعان ماتتبخر ذكريات الأمس الحلوة وتتبدد حينما أفكر في واقع اليوم: في مراكش دائما وحينما أتذكر الدعوة التي توصلت بها وجولة جديدة مرة أخرى لإستطلاع آخر عن معالم مدينتنا. وما الذي سأحضره بهذه المناسبة.
وماذا عن غدي: آه الجمعة .. ويوم الأوراق المتضاربة. سأقرر موضوعا ذا أبعاد عالمية. ولما لاتكن جولة الأمس.. سأصب عليها كل اهتمامي وأوليها فكري حتى الصباح. ولكن مهما استغرق مني التفكير فلن أنس أني أعده لقرائي الذين سيقرأونه غدا في المدونة.

الجمعة، 2 مارس 2007

مقهى الدموع

لي صديق حزين دائما وأبدا.
ويبدو لي أن في دواخله اليأس التام.
يكفي أن تطل عليه في الصباح وتقول له: "تحية طيبة ... ما الأخبار؟ " حتى يبدأ بقراءة نشرة أخبار العالم: "فلان إنتحر في أمريكا، زلزال في الصين، وإغتيال في العراق، الإنفلونزا في السعودية، غلاء في المغرب، إنقلاب في لبنان... " وتصم أذنيك عما تبقى، حتى يهدأ ويلتقط أنفاسه. فإذا إلتقطها سألك: "ماذا تحب أن تشرب؟ " فإذا قلت له ((قهوة))، قال لك: "وكيف تحبها؟ حزن زيادة ... أم كآبة قليلة؟ ".
وتوشك أن تضحك وأنت تتوهم أنه ينكت، لكنه لايدع لك مجالا للشك، والوهم، إذ سرعان ما يبدأ بسرد نشرة أخبار العالم العربي، وكأن هذا الوضع بات مرتبطا لديه بسواد القهوة، أحدهما يذكر بالآخر.
وهو إذا حدثك عن العرب، فإن عباراته لا تخرج عن نطاق الكلمات التالية: إنحطاط، إنهيار، ذل، هوان، هزيمة، خلاف، شقاق، نفاق...
ولايتوقف حتى يجثم على قلبك جبل من الهموم، وينشر غربان اليأس في سماء أملك، وتكاد الدموع تطفر من مقلتيك، فتسارع إلى مغادرته دون أن تشرب فنجان القهوة، خوفا من البقية الباقية من قدرتك على الفرح.
لكن، وقبل أن تبتعد، يناديك مذكرا: (الحقيقة مؤلمة دائما)، والأخبار دائمة غير سارة. لاتؤلمني الحقيقة، بل يؤلمني أن يكون بيننا من فقد الأمل من مواجهتها.