الجمعة، 27 أكتوبر 2006

تعليق على المدونات في التدوين العربي

لم أفهم حتى الآن ما السبب في نشر تدوينات أو إدراجات سمها بما شئت دون تحديد هدفها؟ هل هي لغز لتسلية القراء بالإجابة عليه؟ أم هناك هدف آخر يقصده صاحب الإدراج، وأعني ((المدون)) وما اتضح لي من قراءة لعديد من المدونات هو أن هناك الكثيرين -إلا من رحم ربي- ممن يحاولون تضييع الوقت في الكتابة، لأن عندهم فراغا فيتسلون بالكتابة دون الإهتمام بموضوع ما أو معلومات تفيد القراء. فهم يكتبون ثم يقومون بنشر تدويناتهم دون التأكد من الغرض منها وبهذه التدوينات البائخة يأخدون فراغا كبيرا من مدونتهم. كما اني على ثقة من أن مثل هذه المقالات لا تلقي من ينظر إليها من القراء مجرد نظرة ولا أحد يهتم بمثل هذه التدوينات المملة والتي تؤدي إلى المغص .
والذين يكتبون مثل هذه المقالات هم بحد ذاتهم مستهترون بـ((التدوين)) وبعالمه الجيد الطيب ولو أن مثل هذه التدوينات تهمل وتلقى في سلة المهملات لكان خيرا ((للمدون)) من نشرها ليكتب بدلا عنها أي موضوع علمي يفيد القراء. سوف يشكر ((المدون)) على هذا التصرف الصحيح. أما المتطفلون على التدوين لنشر ما يكتبون فالأحرى أن ترسل له دروس ثقافية أو أخلاقية ليعرفوا ما يكتبون وما يصح أن ينشر في المدونات وليس أي خبر صالح للنشر، لأنهم في الواقع لا يهدفون من مساهماتهم شيئا غير تدوين قصة حياتهم أو كيف يأكلون ويشربون وهذا لا يهم أي قارئ، أو لأنهم يكتبون ليعرفوا القراء بأنهم يعرفون كتابة الحوار الشخصي الذي قد يدور بينه وبين أي شخص آخر وهذا أيضا لايهم. فمثل هذه المواضيع خسارة أن تأخد فراغا على صفحة ((المدونة)) وخسارة حتى الملمس التي تكتب به وجهود كاتبها فلو نشر إعلان عن كتب منشورة على الشبكة بدلا عنها لكان أنفع للقارئ ولـ((التدوين)) بصفة عامة. أرجو أن يوضع حد لمثل لهذا. وللذين ينشرون أي كلام من مذكراتهم اليومية التي يحملونها. فهم لا يستحقوا أن يكون لهم قراءا أصدقاء لأنهم ليسوا أوفياء لهم في إختيار المواضيع المفيدة .
وكان الأحرى أن تحول تدويناتهم على محلل نفساني ليعرف نفسية أصحابها وحل عقدهم والذين لا يهتمون إلا بالثرثرة الفارغة وشكرا .
إني على ثقة من أن مثل هذا الإقتراح قد يجعل القراء يعيدون النظر في إختيار تدويناتهم والتأكد من صالحة للنشر. وحتى يتسنى لنا أن نفيد ونستفيد .
آمل أن تجد تصوراتي هذه آذانا صاغية، واعية بما ينتظر ثقافتنا من تحديات، وفي سبيل مصلحة التدوين العربي عامة . تحية تقدير لكل المهتمين على نشر التوعية. وللمدونين زيادة الدعم الجانب الأخلاقي والثقافي. وشكرا مرة أخرى .

الجمعة، 20 أكتوبر 2006

عيد الفطر في الأدب العربي

كما ألهم شهر رمضان الكريم نفوس الشعراء ووجدانهم بما يثير فيهم من سمو روحي وحب للخير والبر والتقوى، كذلك نجد أن عيد الفطر أنتج أدبا غزيرا وشعرا خصيبا في أغراض لم تكن موجودة في الشعر العربي القديم. وأعني بذلك شعر التهاني والتبريكات الذي كان الشعراء العظام يرفعونه إلى الخلفاء والأصدقاء والأهل والأحباب. وهذا الشعر وإن كان إمتدادا للمديح إلا أنه يختلف عنه في أنه يقترن بأفكار وقيم إسلامية وعادات إجتماعية .
فزكاة العيد من أجل المبادئ الإجتماعية التي شرعها الإسلام فريضة تناهض السلبية والفردية في الحياة فتجعل من المواطن إنسانا إجتماعيا يحس بحركة المجتمع ويحس بآلام الآخرين وواقعهم. والزكاة فوق ذلك تأتي بتوازن يحس فيه الفقير بأنه غير مهمل أو منسي ويحس فيه الغني بلذة الرحمة وشعور التعاطف والتضامن مع إخوانه. فيها تدعم المودة والألفة بين الناس. وإستمع إلى قول أحدهم :
هذا العيد فلتصف النفوس به // وبذلك الخير فيه خير ما صنعا
أيامه موسم للبر نزرعه وعند // ربي يجني المرء ما زرعا
تعهدوا الناس فيه: من أضربه // ريب الزمان، ومن كانوا لكم تبعا
وبددوا عن ذو القربى شجونهم // دعا الإله لهذا والرسول معا
وقيل أيضا :
وبإسمك عزت في الخطاب منابر // بأسعد عيد عاد بالسعد أو الفطر
ولاح لنا فيه هلال كأنه // يشير بفتح منك أشرق بالبشر
وأسفر عن زهر النجوم // كأنها جبينك من خلائق الزهر
إن الشعر الذي قيل في موسم عيد الفطر في التهاني كثير لا سبيل لحصره ولا يخلو من نفاق أو مبالغة في بعض الأحيان. وإستمع على سبيل المثال إلى قول المتنبي يهنىء سيف الدولة :
الصوم والفطر والأعياد والعصر// منيرة حتى الشمس والقمر
ترى الاهلة وجها عم نائله // فما يخص به من دونها البشر
ما الدهر عندك إلا روضة أنف // يامن شمائله في الدهر زهر
وما أن يوشك الشهر الفضيل على الإنتهاء حتى تبدأ الإستعدادات لكعك العيد بين الأهل وعرض الموائد من ألوان الطعام.
وهنا أتذكر قولة الشاعر عبد الله بن المعتز حيث يقول :
قد إنقضت دولة الصيام وقد // بشر سقم الهلال بالعيد
يتلو الثريا كفاه شره // يفتح فاه لأكل العنقود
فالبيتين يعكسان الأثر النفسي الذي يؤثر على الشاعر فهو يتمنى سرعة زوال شهر رمضان وبداية عيد الفطر، بداية عرض الموائد المختلفة الأشكال والألوان من صنوف الأكل والحلوى والشرب.
ومن طريف ما يروى أن احدهم كان يحذر الناس من أضرار أكل الكعك، بسبب الميزانية الضخمة لإعداد كعك العيد ـ
يقول:
إن كنت تسمع نصيحتي والنصيحة تفيد // قلل من الأكل ما أمكن بدون ترديد
وأكل الكعك بعد الصوم نهار العيد // يجيب عيا للكبد وتخسر المعدة
وكل مايزيد دسم يكبر ضرر ويزيد
حسبنا أن نعلم أن ملايين الدراهم تنفق كل عام في كل بلد عربي على كعك العيد وأخته الغريبة. فقد صدق صاحبنا بنصائحه. فالتكاليف ثقال.
كل الكعك في العيد فليس الضرر إلا في الجيب
يقول الشاعر علي الجندي:
ما الكعك أن احطت به خبرا // سوى محنة لها أذيال
ومهما يكن من أمر فرغم ثقل التكاليف فالعيد يمر بالسعد والغبطة والإقبال على ما لذ وطاب.
عيدكم مبارك سعيد. وكل عام وأنتم بخير.

الجمعة، 13 أكتوبر 2006

الشهر الفضيل لنا لقاء

أيام قلائل وينقضي الشهر الفضيل، سيفارقنا حاملا معه صحائف أعمالنا التي نرجو أن يكون قد حفلت بالطاعات، وازدحمت بالحسنات، وأرضت عنا رب الكائنات .
فيا هناءة من صام رمضان، ويا سعادة من قام لياليه، ويا هناءة من أكثر فيه من تلاوة القرآن وذكر الرحمن، ويا سعادة من ضاعف فيه العمل الصالح، وضاعف فيه الصلة والصدقة، وضاعف فيه البر والإحسان .
فهنيئا لكم -أيها المؤمنون- مغفرة الله، وهنيئا لكم رضوان الله .
سينقضي رمضان، وليس معنى ذلك أن نتفلت من فرائض الدين وندع الصلاة والعبادة، ونعود إلى المعاصي والموبقات وكأن الله حاضر في رمضان غائب فيما سواه .
إن رب رمضان هو رب سائر الشهور، ونحن عبيد اله في رمضان وغيره. والله في كل حين يستحق أن يطاع فلا يعصى، ويستأهل أن يذكر فلا ينسى، وسيستحق أن يشكر ولا يكفر .
ولا يليق بنا -أحباب الله- أن نطيع الله في رمضان ونعصيه في بقية الشهور بينما نعمه تتدفق علينا آناء الليل وأطراف النهار : {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان . فبأي ءلاء ربكما تكذبان} .
لا بشيء من نعمك ربنا نكذبك فلك الحمد والشكر. إن الهدف من الصيام هو زرع التقوى في القلوب، وإصلاح النفوس، وتهذيب الأخلاق، والتوبة عن المعاصي، والإستقامة على الطاعات، وإبتداء عهد جديد في حياة المسلم. ولذلك فإننا ينبغي أن نحافظ على تقوى رمضان، وروحانية رمضان، وعبادة رمضان، وصدقة رمضان، وصلة رمضان، وإحسان رمضان، وأخلاق رمضان .
جدير بنا في هذا الشهر الفضيل أن نحمد الله الذي أعاننا على الصيام، وقوانا على القيام، وأعاننا على الطاعات، ووعدنا عليها أعظم الجزاء، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وما كنا لنصوم لولا ان أعننا الله .
خليق بنا في هذا الشهر الكريم أن نحمد الله على نعمة الإسلام، ونعمة الإيمان، ونعمة بعثة محمد عليه الصلاة والسلام، ونعمة تنزيل القرآن .
حري بنا في هذا الشهر العظيم أن نشكر الله على شرعة الصيام التي جعلها فرصة للتطهير من الذنوب والآثام، والفوز بالمغفرة ودار السلام .
تقبل الله منا ومنكم .

الجمعة، 6 أكتوبر 2006

فلسفة الصيام

نحمد الله الذي فرض على عباده الصوم، طهرا لهم وغداءا روحيا يحيون به كيانهم، ونصلي على سيدنا محمد، خير من تقرب إلى الله صائما ومفطرا .
وبما أن الصوم -وهو الكف الإمساك- حرمان النفس من أعظم ماتميل إليه أو تشتهيه، فقد يتبادر إلى الذهن عند بعضنا أسئلة من قبيل: ماذا أستفيد من هذه العبادة على المستوى العملي؟ كيف أجعل صومي سلوكا صاعدا نحو الغايتين الدنيوية والأخروية؟ ماهو تأثيرها على سلوكي اليومي؟ .
إن رسالة ربانية إلهية ما كان لها أن تكون إرتجالية ولا من شأنها التضييق والحد على طاقات الإنسان وتطلعاته، وإنما الغرض -في بداية الأمر ونهايته- تربية النفس وتهذيبها ورفع درجتها وتعويدها على التحرر على شهواتها وملذاتها وتكريم الإنسان وتحمله الآلام ومجانبة المنهيات والموبقات والترفع بها عن مظاهر الحيوانية التي غاية همها الأكل والشرب وإشباع الغريزة .
إن فلسفة الصيام تقوم على حرمان الذات عن الملذات والشهوات والترفع عن كل الأعمال المنافية وتركها المباحات إنما هو وسيلة التريبة وطريقة للتدرب على إتقاء المحرمات وإجتناب الأخلاق المتناقضة مع الدين، ذلك أن من أجاب داعي الله في الرغبات المباحة وأطاع، فهو إلى المحارم أسمع وأطوع .
ويقوم الصوم على أساس إيجاد حالة الشعور بالحرمان في نفس الصائم، وإن كان بإختيار المرء نفسه، فهو يتوخى التذكير والشعور بالتعاطف مع إخوانه الفقراء والمساكين، والتحسيس بآلامهم ومعاناتهم .
ويعد الصوم مظهرا آخرا من مظاهر المساوات في الإسلام، فكما أن الحج لا يميز بين غني ولا فقير لا في الملبس والمظهر ولا في السعي والطواف.. وكما أن الصلاة تخلق حالة الخشوع والخضوع أمام حضرة الخالق جل ذكره، صفا مرصوصا لا إعتبار فيه لعرق أو لون أو غنى.. فإن الصوم كذلك لا يلبث أن يكون مناسبة أخرى يتساوى فيها الجائع الذي يصوم إجبارا طوال العام لا يعرف من الطعام إلا إسمه ولا يذوق منه إلا رسمه، محروم من الملذات مع من تتوفر له كل وسائل اللذة ولكنه غير قادر على التمتع بها .
وتستهدف حالة الحرمان التي يشعر بها الصائم وهو ممنوع من الأكل والشرب والجماع إعداده لمواجهة الصعاب والتحديات الي تعترضه، ويصبح قادرا على ضبط نفسه، والإنتصار على شهوته ونزوات الشيطان، فالأمم من أهل البذخ والترف لا تستطيع أن تواجه المشقات ولاتقوى على الصمود أمام العقبات .
إن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بأولي الألباب والفطر المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة بهم وإحسانا إليهم، وحمية لهم وجنة، وكان هدي الرسول الأعظم فيه أكمل الهدي وأعظم تحصيلا للمقصود وأسهله على النفوس .
فهل نحن صمنا حقا وأدركنا سر الصيام، وتقبلنا المنحة الربانية وإنتفعنا بها..؟