الجمعة، 29 أغسطس 2008

من اجل بناء تدوين جاد.. !

إن أيّة محاولة لبناء تدوين جاد عليها الأخد بنظر الإعتبار طبيعة هذا التدوين وأنواعه ومن ثم خصوصيات كل نوع ومتطلبات مدونيه التي تختلف عن النوع الأخر.. وعلى ذلك يمكن تقسيم الإنتاج التدويني الى ثلاثة أنواع من المدونات.
1- المدونات المكتوبة :
وهي مدونات تعتمد الوسائل التدوينية المعروفة باستخدام الكتابة والصور.. وهي تمتلك نسبة من التأثير أقل من الأنواع الأخرى بسبب طبيعتها النصية. كما أن هذه المدونات ترتبط ارتباطا وثيقاً بتطور العملية التدوينية كلها.
وتغني الصفة الواقعية لهذه المدونات تأثيرها في جعل المدونين يكتبون التجربة الحياتية وكأنهم يعيشونها عبر معايشتهم للناس جميعا الذين هم في معظم الأحيان أمثالهم.
وكتنبيه لضرورة هذا النوع من المدونات يجب على المجتمعات المعنية وضعه ضمن خططها الحياتية لما يشكله من ضرورة تثقيفية واجتماعية تفوق في تأثيرها وسائل الإعلام المكتوبة نفسها.
2- المدونات الصوتية :
ظل التدوين الصوتي الى يومنا هذا يتميز بكونه التدوين الأصعب الذي يحتاج الى كثير من الجهد والصبر ويحتاج أيضا الى وسائل أخرى لإنتاج لمثل هذه المدونات. وبالمقابل تمتلك المدونات الصوتية تأثيراً كبيراً في أوساط المجتمعات من خلال المتعة التي يحصلون عليها من خلال الإستماع فقط.
واحتواء هذه المدونات على قدر كبير من التأثير.. كما انها استعملت بشكل كبير في توضيح المسائل العلمية والدراسية عبر تقنية (Podcast).
وما دام الغرض الأساسي لهذه الدراسة هو البحث عن بناء مثل هذه المدونات في مجتمعاتنا.. فإن أول شيء علينا الإنتباه اليه هو ما وصله هذا التدوين من تطور وأساليب وتقنيات جديدة تواكب هذا التطور.
ومنذ نشأة هذا التدوين حتى الآن. فقد استطاع الخروج بالمدونات من أسوار التسلية وتمضية الوقت الى معالجة مشاكل الحياة اليومية وللدخول الى مختلف المواضيع سواء كانت سياسية فلسفية أو اقتصادية اجتماعية ومن ثم كانت رائدة عالم التدوين الجديدة..
كل هذه الإتجاهات وأخرى لم يسعنا ذكرها هنا تدل على الخصوصية والتميز والإبداع هما الأساس في أيّة محاولة لبناء تدوين جاد وإلا فانها ستفشل في أن تنافس ما هو مطروح على الساحة من مدونات واتجاهات وتقنيات عالية.
إن البدء في إنتاج مدونات صوتية لا يحتاج الى إمكانيات ضخمة.. واستديوهات عملاقة بقدر الحاجة إلى بناء ستديو صغير وتجريبي يكون كأساس لإنتاج هذه المدونات وابتكار أساليب وتقنيات جديدة باستطاعتها فيما بعد النهوض بهذا النوع من المدونات.
هذا الأستديو يجب أن يضم جهاز حاسوب وميكروفون وبرمجية للتسجيل وتحرير الأصوات..
كقاعدة بناء صلبة لإنتاج هذه المدونات.
3- المدونات المرئية :
يمتاز أكثر مدوني المدونات المرئية.
بأنهم يقومون بالتصوير أو نقل الأحداث دون أدنى تعليق صوتي، وذلك يدل على صعوبة هذا النوع من المدونات وارتباطه بتقنيات فنية مرتبطة ارتباطا وثيقاً بالمعرفة العلمية، حيث يحتاج هذا النوع من المدونات الى مجموعة كبيرة من التقنيات تحتاج الى امتلاك خبرات كافية في مجال الصناعة المرئية ومعرفة لا بأس بها في مجال تحرير الصور.
وبناء استديو للمدونات المرئية يحتاج الى جهاز حاسوب وكاميرا رقمية وبرمجية للتسجيل وتحرير الصور وعدد آخر من التقنيات.
ويعتبر توفير هذه الوسائل في الأستديو كأساس لتكوين وحدة إنتاج المدونات المرئية بشكل جيد !
ومن كل ذلك يتبين لنا عدد الإختصاصات التي يجب توفرها في المُدوّن لإنتاج مدونات من هذا النوع من تصوير وتسجيل وتحرير إضافة الى تقنيات العملية التدوينية المعروفة.
لذا فإن أول شيء يصار إلى ذكره عند الحديث عن مدونات من هذا النوع هو إعداد استديو متخصص..
وهو بنظرنا يتم بمعرفة خاصة على هذا النوع من المدونات بما يضمن إنتاجها بشكل جيد.
ومدونين متخصصين بإمكانهم بناء قاعدة مدونات مرئية على شبكة الإنترنت ذات جودة عالية.. ولضمان إستمرار العملية يجب أن يكون عددهم كبيراً...

الجمعة، 8 أغسطس 2008

المدونات الخضراء.. إبداعا

كان السؤال الذي حملته في داخلي لأكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة هو التالي: ((كيف نفسر عدم اشتهار أي مدوّن عربي جاد منذ ظهور موجة التدوين؟ علما أن التدوين فرض شهرته في الحياة الإفتراضية؟ لماذا لا نسمع صوت المدوّن العربي بتلك النبرة الجادة القوية بإرادة الحياة في عصر التفاعل الإفتراضي الجديد؟ هل يعني ذلك أن التدوين ظاهرة استثنائية لم يستطع المدون العربي أن يظهرها؟)).
وشيئا فشيئا بعد دراستي لبعض المجتمعات التدوينية العربية أحسست أن سؤالي بصيغته هذه يحتاج الى تعديلات. كان الشيء الغريب أن التدوين العربي يعج فعلا بحركة ثقافية خصبة نشطة في جميع الميادين تقريبا، ولكن هذا النتاج لا يصل إلينا، وما نتوصل به لا نتفاعل معه كما يريد كاتبه أو مدوّنه منه. وهذا ما يجعل صوت المدوّن العربي خافتا على الساحة التدوينية أو خارجها.
وفي منصة تدوينية، زرت مدونات تعرفت من خلالها على كتّاب وكتابات متميزة النكهة، كما وجدت فيها وثيقة تسجيلية لتنامي المدونات العربية في السنوات القليلة المقبلة. ومن خلال ما استطعت أن اقرأه من مقالاتها وادراجاتها حتى الآن أستطيع القول أن المدونات العربية في وضع أفضل مما كانت عليه منذ ظهورها لسنوات قليلة، وانها لا تعاني أزمة التوقف التي تعرضت لها سابقا، بل على العكس من ذلك يبدو عليها أنها في بدء انطلاق جديد. وان كنا لا ننكر أنها تأثرت بالمواضيع غير الجادة الى حد الإسفاف أحياناً.
ومن خلال ما كتبت من ملاحظات عن بعض المدونات قصد الدراسة طبعا، وما لمسته من مدوّنها أثناء حواراتي معهم، وما تعرفت اليه من قائمة مواضيعهم التي تعد بالعشرات، وجدت مدونين يجمعون بعمق بين الأصالة العربية والثقافة المعاصرة ويسمون بكثير فوق عشرات المدونين الذين يغرقوننا بمواضيعهم الساقطة التي لا تفيد قطعا ! (وهم في ذلك معذورون لجهلهم في هدف وجودهم في هذه الحياة الإفتراضية، وخاصة مجتمع التدوين (...) ولكن مع هذا السمو لم نتفاعل مع مدوناتهم الرصينة بالشكل الذي تستحق.
كما قمت بمقاربة بعض المواقع التشاركية الفكرية للمدونين، ومنها موقع يشرف عليه أحد أصحاب المواقع المشهودة في التعريب الثقافي وتصفية أثار الأعجمية اللغوية.
وعلى الرغم من اختلافي مع بعض المدونين حول اتجاه كيانات الشخصية الإقليمية في الوطن العربي في طرح المواضيع، وضرورة تقديم البعد العام أو القومي – بشكل مبدئ قاطع – على البعد الخاص أو المحلي، فإني وجدت فيهم محاوريين يتحسسون بصورة نابضة القضايا السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية وحتى التقنية بمستجداتهم المعاصرة وعلى استعدادهم ليستمعوا الى وجهة النظر الأخرى بسماحة عربية أصيلة أصبحنا نفتقدها للأسف في مجالات الحوار بين الإتجاهات الفكرية المختلفة في الوطن العربي.
وهنا لا بد من التنويه بجو الإنفتاح الفكري الذي أصبح ملحوظا في أوساط المُدوّنات والحياة التدوينية بشكل يتيح المجال لنمو التجديد الصحي. هذا مع تنامي تيار الحفاظ على الأصالة العربية الإسلامية في الشخصية التدوينية المعاصرة، وهي أصالة وجدتها متمثلة في مدونات حرصت على أن تجسد نفسها الرعيل الصلب في شؤون الإسلام والعصر وبما تطرحه من مواضيع ومن منطلق التشبت بالأصل والإنفتاح على العصر !
وبعد: فإن قصور وسائل الإعلام والدعاية بين المدوّن والمتلقي القارئ عامل هام في اضعاف التفاعل بين الجانبين. ولكن هذا ليس جوهريا على أهميته.
ما هو الجوهري أن توجد لدينا حالة الإنفتاح النفسي والذهني للتفاعل والتعرف والإستفادة دون أحكام مسبقة.
وأعتقد أنه في غمرة الأزمة التي يمر منها المُدوّن العربي الجاد، أمام مدونين يحصلون على متابعة وشعبية في نظره لا يستحقونها، تستطيع الحركة التدوينية العربية أن تعطينا دما جديدا نحتاجه لمقاومة الركود الذي طال على مدوناتنا. وهذا يعني أن المدونين الذين لا يقدمون شيئا هم الخاسرون في حالة استمرار تغافلهم عن الإبداع المتفتح في التدوين العربي.

الجمعة، 27 يونيو 2008

سنتين من الإنطلاقة التدوينية.. !

ها هو العام الثاني من عمر مدونتنا يوشك على الرحيل، فأين نحن من تحقيق الحلم الذي كانت من أجله الإنطلاقة، أين نحن من تحقيق الأمل الذي خلفته مدونات المدونين الأوائل في عيون المجتمعات العربية ؟!
أسئلة تأتينا دوماً، أو هي حاضرة فينا لا تفارقنا، غير أن حضورها مع ذكرى إنطلاقة مدونتي له شكل آخر أكثر إلحاحاً.. فكيف والحال أنها الذكرى الثانية - الذكرى التدوينية التي تأتي وقد تطور المدوّنون الذين كان لقلمهم الإسهام الأول في صنع مجتمع التدوين، وبعد أن غيّب الحجب وأشياء أخرى لا يسعنا ذكرها العديد من المدوّنين، والمئات من الذين رأوا في هذا المجتمع طريقهم نحو الحقيقة.. طريقهم نحو الحرية.
لن نقول أننا قد أصبحنا (قاب قوسين أو أدنى) من تحقيق الحلم الكبير، ولكننا نستطيع القول أننا قطعنا شوطاً من المشوار الذي ندرك أنه طويل، وطويل جداً.. وأننا لا زلنا نحتفظ بالحلم نضراً ومتوهجا كما كان، وأكثر.. فالمدوّن الأوّل لا زال قادراً على قول كلمته. والمدونين الجدد الذين ولد فيهم الأمل بعد أن اكتحلت عيونهم بمرأى المدونين الأوائل أمسوا اليوم هم المدونون الذين بهم تكتمل العملية التدوينية، وشيوخ التدوين لا زال فيهم عنفوان اليوم الأول.
لذلك سوف نحتفل بالذكرى، سوف نفرح بنقطة الضوء التي يشعلها الحلم في الظلام المحيط، وسنستعيد ذكرى السنتين التي مضت بما فيها من إخفاقات وإنتصارات.
أما الإحتفال، فسيكون بإدراج خاص عن السنتين الماضيتين، ومراجعة ما بث لي هنا من مقالات وتدوينات، وكذلك ما بثه القارئ أيضا في حق المدونة، وملاحظاته وتعليقاته الجديرة بالإهتمام.
فإلى اللقاء في مدونة الشهر المقبل بحول الله.. وكل عام وأنتم بخير.
ملحوظة لها علاقة بما سبق
كان قد سبق لي أن قمت بتجربة إنتقالية بين المنصات التدوينية العربية منها والعالمية ودام ذلك لأكثر من سنة ونصف.

الجمعة، 20 يونيو 2008

الأسلوب الماهر

الرسام الماهر يعتمد دائما أسلوب التأني والتريث، أثناء قيامه بعمله : لا يرتحل ولا يندفع ولا يخضع للسطحية والحماسة. يرسم الصورة في ذهنه... ثم يترجمها الى الواقع على شكل لوحة ساحرة جذابة...
ويُعجبني في الرسام أنه متواضع مع عمله، لا يتوهم أنه لا يخطئ، بل تراه بين الحين والحين يرجع الى الوراء قليلا، ينظر الى لوحته، يزيد عليها أو يُنقص منها ثم يُنقحها... وكذلك يفعل طوال مدة القيام بهذا العمل الإبداعي، فيخرج الرسم في النهاية منسجما منظما متكاملا.
بهذا الأسلوب يتقدم الإنسان والفنان... أي إنسان أو أي فنان... وينال شهرة كبيرة. تُرى لماذا لا يسلك رواد التدوين والإنترنت وكل من له صلة بذلك، أسلوب التأني والتفكير الشمولي العميق حين يدونون، ويتراجعون، بلا وجل ولا خجل، إذا استدعت المصلحة، قبل فوات الأوان... حتى لا يوقعوا أنفسهم في متاهة لا بداية لها ولا نهاية، فتصبح حياتهم تسبح في بحر من الفتن والمشاكل.

الجمعة، 6 يونيو 2008

كلمة فلسطينية

بعد نحو 60 سنة من احتلالها رسميا، لاتزال معركة فلسطين الأولى هي معركة تحريرها الحقيقي.
بالطبع هناك إجماع فلسطيني على أن معركة التحرير لها الأولوية الآن. لكن مقابل ذلك هناك ((سوء فهم)) لدى بعض الفلسطينيين حول مضمون هذا التحرير وطبيعته.
فتحرير فلسطين الحقيقي لايعني ((تحريرها)) عن عروبتها وعن روابطها القوية مع الدول العربية، كما يرى البعض. كما أنه لايعني تحريرها عن النزاع مع إسرائيل وعن الموقف الموحد تجاه الأخطار والمطامع الصهيونية المتعددة، كما يتصور البعض، لأن إسرائيل لاتعفي فلسطين من مطامعها بل ان لها فيها ((حصة كبيرة)). وتحرير فلسطين الحقيقي لايعني تكريس انتصار فئة على فئة، وتجريد نصف الفلسطينيين من فلسطينيتهم على أساس أن لديهم تصورا للوطن مختلفا عن تصور النصف الآخر. كما أن تحرير فلسطين لايعني مسايرة الدول العربية وتنفيذ خططها ولو كانت على حساب روابط هذا البلد العربية على أساس أن العرب ((خيبوا أمل فلسطين ولم يقفوا معها كما يجب)) كما يقول البعض.
والواقع أن الفلسطينيين بأكثريتهم، يؤمنون بأن تحرير فلسطين الحقيقي يبدأ بتحريرها من السيطرة الإسرائيلية، سواء اتخدت هذه السيطرة شكل الوجود العسكري - وما يرافق ذلك من اشعال الفتن - أو اتخدت شكل اقامة علاقات قوية مع بعض القوى الفلسطينية بحيث تخدم أهداف الحكومة الإسرائيلية، أو اتخدت شكل ((تطبيع)) العلاقات بحيث تصبح فلسطين امتدادا لإسرائيل وربما استكمالا لها على الصعيد السياسي والإقتصادي والعسكري.
والشعب الفلسطيني يدرك تماما أنه يخوض الآن أصعب معركة لتحقيق تحرير فلسطين.
فهو لايحارب فقط عدواً خارجياً، بل يحارب أيضا عدواً داخلياً. وهو لايحارب فقط خصوماً مكشوفين بل يحارب أيضا خصوماً متسترين بثياب الصداقة والود.
وكان الشعب الفلسطيني يأمل، في ذكرى الإحتلال التي صادفت النصف الثاني من الشهر الماضي، أن يكون التحرر من الإسرائيليين هذا العام. لكن ذلك لم يحدث، ربما لأن الوعود الغربية لم تتخد شكل الضمانات.
لكن استمرار الإحتلال الإسرائيلي ليس إلا دليلا إضافيا على أن الطريق الذي يسير فيه الشعب الفلسطيني هو الصحيح، وان اصراره على إبقاء فلسطين ضمن الأسرة العربية يجعل إسرائيل تتصلب ولاتتساهل وتضع شروطاً تلو الشروط.
فالشعب الفلسطيني ليس حليفا لإسرائيل ولاصديقا لها، بل هو يعتبر إسرائيل خصم فلسطين الرئيسي. وهو يريد تحريراً حقيقياً لاوهمياً، لذلك فإن معركته ستكون طويلة.

الجمعة، 30 مايو 2008

وقفة مع التدوين

وسط جو من الغموض والإرتباك وبعض النوايا السيئة حول التدوين في الإنترنت، من المفيد أن نذكر بين الحين والحين بجهود يقوم بها مخلصون. إذ لا اختلاف حول أهمية الوجه الثقافي - الحضاري في تغيير الصورة السيئة، وهذا أفضل ما نملكه، بل هو أفضل من تجميع المال والنفط.
ولاشك في أن التدوين قد أصبح ينافس الإعلام التقليدي، وفي الأحداث الآنية له أهمية. ويحتاج التعامل فيه ومعه الى فهم له وإجادة أسلوب مختلف. وقد وعى كل هذا وأجاد تنفيذه كل مدوّن له إهتمام كبير بالكلمة الجادة. ورغم فارق الإمكانيات العلمية والثقافية وحتى التقنية بين المدونين إلا أنهم يحققون نفس الهدف.
مثلا في الشهور التي انصرمت من هذا العام، بدأ التدوين العربي تجربة جيدة هي تقديمه لحصيلة السنوات السابقة من التدوين في قالب ذاتي وكل بلغته وأسلوبه الخاص، ونجحت في هذه التجربة العديد من المدونات التي بدأت تتحدث عن التجارب التدوينية الشخصية طبعاً، وحتى الآن لاقت اقبالا غير عادي من المتلقي القارئ، لأنها تخاطبه بلغته وتفتح له عالماً جديداً عليه.
وهناك جانب آخر ذو أسلوب خاص، وقد قدم عليه العديد من المدونين العرب، من منطلق التوجيه، وبالتالي برزت على سطح الساحة التدوينية مدونات ذات وزن ثقيل.
إن المُدوّن عندما يبادر بالتعليق على موضوع أو حدث، ويقيم نقاشا تحت نفس الموضوع يدعو إليها المتلقي القارئ، فإننا ندرك على الفور، أنه أدرك الطريق الصحيح والفعّال.
والعمل في التدوين الإلكتروني ليس للتدوين فقط، وإنما أيضا لوزن التدوين العربي وبخاصة للدول الناطقة بالعربية، ونفس الشيء يقال عن عدد من المجتمعات المؤثرة في العالم. والتي نرجو أن تبزغ فيها ثقافة التدوين الإلكتروني النشط والفعّال.
اننا نكتب هذا لنذكر فقط، وقبل ذلك لنحض باقي مجتمعات التدوين العربية بالخصوص على اليقظة، والعمل.

الجمعة، 23 مايو 2008

فهمت

منذ سنوات فرضت على العراق عقوبات إقتصادية وحصار، بحجة الإستمرار في تصنيع أسلحة الدمار الشامل. السنوات مرّت والعقوبات كانت لاتزال موجودة لكن الضغوطات مستمرة، ولم نر أي تأثير أنذاك. كل ما فعله العراق هو الحفاظ على مصالح شعبه ونظامه، لم يفعل أي شيء إطلاقاً لرفع الحظر الدولي، بل على العكس قد يكون أحد العوامل التي ساعدت على استمراره وتطوره فيما بعد.
ثم جاء الهجوم الأمريكي وقام باحتلال بغداد ونصف الأراضي العراقية بل أكثر، والجيش العراقي واقف موقف المتفرج إلا قليل من الوطنيين والغيوريين، وكأنه غير معني بما يجري، وقد رأيناها أنذاك في التلفزيون كيف كان الجيش العراقي الذي تم تسريحه في وقت سابق يمر من أمام الدبابات الأمريكية والعلم الأمريكي يرفرف (مناظر لاننساها ماحيينا)، وأنا متأكد من أنه لو أن جيشا عربيا كان قد دخل العراق وليس الجيش الأمريكي لكان النظام العراقي قد أعلن الحرب فوراً ودون تأخير إنطلاقا من مبادئه المعروفة علناً وحفاظا على وحدة أراضي العراق من ناحية أخرى، أما الجيش الأمريكي فإنه، كما يعتقدون، لايهدد وحدة وسيادة العراق، وإنما سيأتي لهم بالحرية !
وكنت أتسائل عن سبب بقاء قوات الإحتلال الأمريكية والبريطانية في العراق بعد الحرب الرسمية وما الذي فعلته ؟ والآن وبعدما ساعد العالم على إشعال الفتنة بين الإخوة العراقيين فهمت سبب بقاء هذه القوات..
إنه بكل بساطة لإشعال الفتنة ونهب خيرات العراق وخاصة النفط (الذي تحدثنا آخر أخباره بأنه يواصل إرتفاعه ومن المحتمل أن يسجل في النصف الثاني من هذه السنة 2008 أكثر من 141$ سعر البرميل الواحد) وكذلك ترك العراق يتخبط في دماء شعبه الى أقصى حد.

الجمعة، 16 مايو 2008

الخارجون على القانون

المقهى في تلك الساعة بعد الظهيرة مزدحم برواده... سكونه بديع لايعكر صفوه إلا ضحكات عريضة منبعثة من بعض الطلبة الجامعيين (الذين يرتادون هذا المقهى في أوقات فراغهم بحكم قربه من جامعتهم)، وتصفيق الزبائن عند تأخر وصول مشروب.
جلست مع صديقي في ركن بعيد عن العيون، كنا نراقب ما يدور حولنا في صمت وهدوء.. لفت نظرنا حركة غير عادية بالشارع أمامنا، ومجموعة من الشباب يتدفقون على المقهى وقد بلغ بهم الهلع والخوف حداً مضنياً.
سمع الجميع أصوات أشياء تنكسر، أناس تركض في جميع الإتجاهات، وتصرخ بشكل رهيب للغاية.. وفجأة صاح أحد الشباب الذين تواجدوا فجأة في المقهى.
- قوات الأمن تهاجمنا.. توجهوا داخل المقهى، انصرفوا الى أي مكان للإختباء. أو للهروب.
ورأيته يقوم بإغلاق أبواب المقهى.. ولم يتمم كلامه حتى وجدنا أنفسنا محاصرون من جميع الجهات كأننا في ميدان قتال.. لأن جميع من كان في المقهى اختار الهرب.. مال صديقي على أذني وحدثني بصوت خفيض.
- النوايا الأمنية ليس لها حل سوى ((الضرب))! وبالتالي لنفكر في خطة للهروب.
* أي هروب وماذا فعلنا ؟!
- كما تعلم فالمقهى على مقربة من الجامعة، وفي علمي أنه ستقام اليوم مظاهرة طلابية في الحرم الجامعي وحتى خارجه. ولهذا السبب تواجدت قوات الأمن، ومن المفيد أن نبحث عن ممرّ نخرج منه قبل أن تقع المواجهات والإصطدامات بين الأمن والطلبة !
وخلال رحلة الخروج من الحصار الأمني وقعت المواجهات حقاً. وفي ((بطولة)) جوفاء خالية من النبل ومن أي إحساس إنساني رفعت قوات الأمن هراواتها أمام المواطنين، وراحوا يضربون ويطاردون !
وكان بعض طلاب هذه الجامعة يواجهون الطرف الآخر مواجهات شديدة الأهمية، ومن هنا كانوا هدفا للضرب خلال مسيرتهم العارمة، حيث وقعت الصدامات بينهم وبين قوات الأمن. بشجاعة يحسدون عليها ! لم أسمح لنفسي أن أكون متفرجا، ولذا فإني أشارك بقلمي من الموقع الذي شعرت أنه الأقرب الى الحق.
لست اعرف بالضبط سبب المواجهات ولا مطالب هؤلاء المتظاهرين، لذلك فإني لا أرى جيداً الأهداف، وهناك تداخل شديد في الأشكال والألوان لكثرة الفرقاء، حتى ليبدو لي الجميع فريقا واحداً، ومعذرة إذا كنت أصارحكم بأنني لا أجد الديمقراطية أو العدل من بين هذه الغايات، المتظاهرون يرفعون شعارات متقاربة ربما بلهجات متعددة، ولكن الظاهر شيء والباطن فيما أعتقد شيء آخر. لكن تروعني سياسة الضرب كثيراً)). قال صديقي غاضبا : لكن المظاهرات بدون سياسة تقنين رغم شرعيتها سيفتح الأبواب على مصراعيها للعنف الإجتماعي.
أخشى، أيها الصديق العزيز أن لا تكون قوات الأمن قد تجاوزت حدودها بين الماء واليابسة. وهي أغلى من أن يفقد المواطن الثقة فيها.
أتمنى في أي حال أن تعامل هذه القوة كجهاز أمني للدولة، الجميع على قدم المساواة، فالثقة المتبادلة تكون ببناء الدولة الوطنية التي يتساوى أمامها جميع المواطنين في كرامة وحرية دون اخلال أو قهر. ولن يكون ذلك إلا حين ينطوي الجميع تحت لواء الشرعية فيسيطر القانون والدستور على الجميع دون تفرقة ودون ابتزاز وقمع أحد الأطراف.
في هذه الحال لن يستطيع جهاز الأمن ولا المواطنين أن يتجاوزوا حدودهم ولا أن يطرقوا باب الخروج على القانون.

الجمعة، 9 مايو 2008

التدوين العربي

في الأعوام الأخيرة بدأ الإهتمام واضحا بعالم التدوين العربي.. وهذا الإهتمام له مبرراته بالتأكيد.. فعالم التدوين قد فرض نفسه من خلال الموضوعات الحساسة التي طرقها ومن خلال الأساليب التي وظفها - الى جانب كل هذا ففي العالم العربي شعوب تناضل من أجل الحرية والرفاه الإجتماعي الى جانب النضال الذي يخوضه بعض المدونين من أجل تحريك مشاعر المسلمين ضد اليهود لتحرير الأرض الفلسطينية ومنع الظلم الواقع على المسلمين الفلسطينيين، وغيرهم !
ونجاح هذا التدوين والتصاقه ((بالعالميّة)) يكمن أيضا في أنه تدوين يمتلك ملامح إنسانية.. تعبر عن معاناة مجتمعاتنا العربية.
وقد اهتم العرب بالتدوين منذ زمن قريب (كان من المفروض الإهتمام به قبل هذا الزمن)، فقام عدد من المثقفين بإنشاء مواقع لهم، شهدت بعد ذلك متابعة واسعة أدى الى ظهور هذا العدد الهائل من المدونات اليوم..
ويأتي ظهور المدونات على كثرتها حسب رأيي كضرورة ملحة وذلك لأهميتها وقيمتها ولثِقَل المواضيع التي تطرحها - والتصاقها بالواقع الإجتماعي والإقتصادي للمنطقة العربية المعاشة بشكل أو بآخر، فالمُدوّن العربي عندما يهتم بواقعه لايكون هذا الإهتمام ناتجا عن ((عقدة)) كما يسميها البعض.
بل ان ذلك ينبع من أهمية وجدية واقعه.. اضافة الى الهموم المشتركة التي تربطنا.
فالمسألة هنا ليست بمسألة ((انبهار)) ولا مسألة ((عقدة)) بقدر ما هو نقل للواقع ولكنه نقل من نوع خاص.. ان التدوين يعبر شئنا أم أبينا عن جزء كبير من همومنا وطموحاتنا وفي خصوصية بارزة... ومن هنا تأتي مسألة مهمة وهي التفاعل الذي يخلقه مجتمع التدوين وطريقة التعامل معه ضمن منهج قويم صحيح.
ومسألة الإستلاب هنا غير واردة أيضا لأن التدوين العربي كما ذكرت، تدوين يعبر بصدق عن واقع متشابه لواقعنا العربي.. ، وهو تدوين مناضل من أجل قضايا خاصة وعامة.. ذاتية وموضوعية.. نناضل نحن كمدونين من أجل تحقيقها وخاصة في المجال الوقائعي.. إذن ليست هناك ((عقدة)) ولاحالة استلاب ولاقضية ((محاكاة)) تجاه مجتمع تدوين معين... بل المسألة المطروحة هي كيف نتعامل مع التدوين وكيف نستفيد منه.. وكيف نوظف بعضاً من أدواته التقنية لصالحنا... كل ذلك مع الإلتزام الكامل بتراثنا وواقعنا المعاش وطموحاتنا المستقبلية...

الخميس، 24 أبريل 2008

غزة : تُرمى عن قوس واحدة

تتعرض غزة، اليوم، لهجوم صهيوني شرس، يهدف الى تقويض معقل الوجود الإسلامي في فلسطين.
ويتسم هذا الهجوم بالوحشية والرغبة في الثأر من هذه المدينة الفلسطينية التي سمحت لنفسها أن تتحدى الغول الصهيوني الذي يهدد بالتهام المنطقة، حماية لإسرائيل في نهاية المطاف.
ذنوب غزة في نظر أعدائها كثيرة، فقد رفعت راية الإسلام، في وسط يحمل رايات أخرى. وهي التي احتضنت الوجود الفلسطيني منذ الزمن الأول.
محاولة حصار غزة والقضاء على الوجود الإسلامي فيها لايمكن أن نفصله عن القضاء على الوجود الفلسطيني ومطاردته، أو على الأقل تدجينه وتطويعه، فلقد كان هذا دعما لذلك. وتدمير غزة في نهاية المطاف لا ينفصل عن المخطط المرسوم للمنطقة لتتحول الى مدن هزيلة تؤمّن الحماية لإسرائيل. إنه إذن استمرار للإحتلال الإسرائيلي لفلسطين منذ عام 1948م. وذو صلة بالسيطرة الصهيونية. وإذا لم يكن هذا صحيحا فما معنى أن تقول إسرائيل، اليوم، أن حصار غزة لن يتوقف ما دام الإرهاب موجوداً فيها وسنستمر في تقويضه وتأصيله ؟ وكما يعلم الجميع فالحصار حوّل غزة الفلسطينية الى كثل من اللهب ومع ذلك تريد إسرائيل من هذا الشعب ألا يتحدها أو يقاومها وإلا اتهمته بالإرهاب ! هل يمكننا أن نقول أن مقاومة الإحتلال تعتبر إرهابا؟ ومن هو الإرهابي في الأصل هل الإحتلال أو الشعب المحتل؟
ثم هل نستطيع فصل هذه المجزرة عن مؤامرة إنهاء الوجود الإسلامي في المنطقة؟؟
ونفتش في الصحف العربية عن تعليق لما يجري في غزة، فلا نعثر على شيء. الإعلام العربي يسرد أخبار غزة وكأنها في أقاصي الدنيا، غزة رميت عن قوس واحدة، لم تنفعها كل العهود والمواثيق التي وقعت ذات يوم ! فقد كان ذلك أمراً مؤقتاً، وغزة تعلم ذلك، فالظروف كانت تقضي بتأجيل المجزرة، حتى تحين الفرصة. ومع ذلك فالصمت العربي والإسلامي فضيحة صارخة. والخطر لن يقتصر على غزة، فكما أن المؤامرة لم تبدأ بها فهي لن تتوقف عندها.

الجمعة، 18 أبريل 2008

رحلة الحرف

ان الإهتمام الذي يبديه المدونون وهم في السنوات الأولى من تدوينهم لهو اهتمام جدير بالتنويه والتشجيع ويدعو للتفاؤل.
والمهم أن يستمر هذا الإهتمام وينمو ويتعمق لا أن يكون مجرد حماس مؤقت !
والمهم أيضا أن يواصل الُمدوّن اهتمامه بمدونته فالكثيرون ينسون أنفسهم (...)
- ونحن نعلم ان رحلة الحرف والكلمة مضنية لا يساوي ألم معاناتها إلا فرح الإصرار على مواصلتها دون مقابل..
فلنأمل لمدوناتنا الشابة اخضرارا دائما ومتناميا، ولنتعهدها بالري والرعاية.

الجمعة، 11 أبريل 2008

تجربة مع شبكة عالمية

فترة طويلة من صور شبابي لم أبتعد خلالها عن هذه الشبكة العنكبوتية... انها تلك السنوات السّمان التي فصلت بين دراستي الثانوية، ثم تكويني العالي في احدى الكليات الجامعية.
داخل أسوارها فرضت علىّ القيود، فتنتظم ساعات النهار في تحديد صارم بين المحاضرات والحصص التوجيهية ثم حصص استذكار ذاتية، فأقبل على الكتب والمراجع المتعلقة بتخصصي ولا أتعداها..
الى أن قادتني اهتماماتي الى ((الإنترنت))، استحوذت على وقتي الفارغ، على لبّي، تفيض بثراء مذهل فأجد جميع ما يمت الى الوجدان البشري بصلة، من سياسة وإقتصاد وأدب وفن وفكر وعقائد... أبحر الى عالم أكثر من واقعي وأنتقل عبر الزمن، بل وأتعرف أيضا على آخر المستجدات العالمية في شتى المجالت وقبل وصولها الى الآخرين خارجها، إنها ظاهرة وثيقة الصلة بالمجتمعات البشرية...
إلا أن السلوك البشري للإنسان الفرد كان أبرز ما أثار اهتماماتي فيها، ولا غروا ! فقد كنت أتلمس التفسيرات لما كان يعتري سلوكي الشخصي من تصدع بين أهداف تتوه بي الى خيالات التمني، وبين مسالك من واقع واضح الأبعاد، إلا أن النفس عازفة عن التسلح بهمة، فتقتحم الطريق اليها.
ثم إن سلوك الفرد كان حجر الأساس الذي قامت عليه الإنترنت... المنطق الذي مهد لها أن تتهيأ بتطبيقاتها التقنية لإحتواء مجالات الإنجاز البشري جميعا.
لذا فإن التشعبات الخوارزمية للإنترنت - وهو مفهوم عند أهل التقنية المعلوماتية - لتحتوي على النوازع البشرية جميعا، في تركيز أيّما تركيز... ولكن مع اختلافات جوهرية من حيث التركيب، وإن كانت هذ النوازع في أغلبها لا تخرج عن نطاق العمل الإقتصادي أو ما يُصطلح عليه {التجارة الإلكترونية}، وهذا بطبيعة الحال متناقض مع ثقافة العرب المعلوماتية التي لازالت تعتبر الإنترنت مجرد مقهى للدردشة وساع للبريد، وهنا يجب علينا اسقاط هذه الفكرة بتغيير أو تبديل، وأن نتمسك بمفهومها الأصلي في توفير المعلومات والآراء والخبرات.. !
بهرتني الإنترنت، فأتلمس قراءة كل ما يمت اليها بصلة... قريبة كانت أم بعيدة، وتتردد في قراءاتي لها وعنها الإشارة مرة بعد أخرى الى السلبية والإيجابية فيها... قيل إن كان المستخدم أو المبحر الذي يحركها في ضوء من تفاعلاته، وتصويراً حياً لضميره الذي اختار أن يشارك فيها من بعد... ويستشف معالمها وهي ببعد، انه يحاول أن يحدد لها أبعادا، كما هي - الإنترنت - تفعل بالتحقق والمسح والتمييز وغيرها من التفاعلات ترجع في الأصل الى المستخدم نفسه أو فريق عمل، فتكون الإنترنت بهذا التفسير صروح من نظريات وحقائق ملموسة في فراغ.
وربما يتبادر الى الذهن - في ضوء ما أقول - أن الخامة غزيرة الثراء التي بثت بها الينا الإنترنت في صفحاتها المثيرة، هي التي دفعت المستخدم الى تحديد معالم النظريات والحقائق الملموسة التي أصبحت تنسب اليها...
ولكن ما أبعد ذلك عن الحقيقة !
على النقيض من كلامنا ! تطل علينا الإنترنت بنظرياتها من علياء ثقافة فكرية شامخة، فتثقل السطور بفيض من تعليقات، وكأنها تسعى الى اغراقنا في خضم من تيارات المعرفة جميعا.
في حين ظل المستخدم حريصا كل الحرص على ألا يستحضر من ذخائر الفكر - رغم ما عُرف عنه من سعة اطلاع - ما هو حريّ بأن يدعم به تفاعلاته... مكتفيا بأن يتناول الحالة تلوى الأخرى أو لنقل صفحة وأخرى، فيبدأ إبحاره باهتماماته الأولى - فيسجل ملاحظاته عنها في أسلوب رشيق دقيق، إن كان ملتزما كل الإلتزام بصرامة تقصٍ سعيا الى تعليل..
ورويداً، بعد عناء ما بعده عناء، فإنا نراه يتحول.. فيرقى الدرج من الخاص الى العام، أي من الإستفادة الى الإفادة بنشره للمعلومات والآراء والخبرات على الشبكة نفسها، إذ يتبين له من خلال ما يعتمل في خصوصية وجدّ أن الفرد من مشاعر وأحاسيس، انها انما روافد من تيارات وجدانية هي من صميم الحياة البشرية جمعاء، فكأنما الإنترنت مرآة عاكسة لها.
الإنترنت هي الرائدة التي تحدد، بصرامة المستخدم الصالح الجاد، المعالم البيّنة للنوازع البشرية... ما كانت تقنياتها بيّنة على أهل المعرفة، إلا أنهم تناولوها، كل من منطقه الخاص، تشخيصا لأغراض المصالح العامة وليس غوصا الى أغراض ذاتية، أما المستخدم العادي فقد أقبل عليها وكأنها طعام غدائي، يزيد الإحساس بالجوع.
ومثله في ذلك المستخدم السلبي... انجذب الى تصوير نزعاته، فإذا معلوماته وآراءه وخبراته تغوص، دون أن يكون قد سعى، الى أغوار المآسي المتربصة بالمصير البشري جميعا...
تناولي للموضوع باستنتاجات فرضية الى نظريات محدد - بتحليل - يقرر أن {الإنترنت} هي أروع ما قد سطر الإنسان في تاريخه !
لكأنها الدعوة الملحة فأقتحم عالمه ذلك السحري، ولكني أتهيب الإقدام... حسبي قراءاتي التقليدية، فإنها بحر زاخر، ولن يتسع بي الوقت فأستوعب ما أعتقد أنه يجب علي أن أفعل... ثم حسبي تلك الكتب والمراجع التي أتحول إليها، ترويحا للنفس بعد عناء، حفلت بكل اهتماماتي وأفكاري...
ثم حسبي الشبكة العالمية للمعلومات - الإنترنت، وتلك المؤلفات التي تتناول تقنياتها بعرض أو تحليل... ومن خلالها طبعاً... ما أكاد أقع على جديد إلا وسارعت اليه، فأطرح كتبي التقليدية ومراجع اختصاصي، وكأنها كمّ مُهمَل... فإذا ما فرغت عدت إليها، يقضني ضميري وأنا أرى دراساتي تخلفت عما كنت قررت لها من برامج محدد بمواقيت.
ثم ان شبكة الإنترنت تلك الخالدة - كما قيل - تطل علي من حاسوبي أو هاتفي الذي أطوف به أينما تواجدت، فتهولني ضخامتها... بحسب تقديرات مجلة (ذي إيكونوميست)، وصل حجم محتوى شبكة الإنترنت من النصوص والمواد المرئية والمسموعة وغيرها أكثر من 256 تيرا بايت (تيرا بايت = مليار جيجا بايت).. ! فما شأني بمشاكل إفتراضية وهمية.. تقلبت حياة أناس انتموا لعائلة اخترع لها كاتب اسما - الإنترنت - لا شك أنه من صنع الخيال.
لم يكن يعنيني وقتئد من مساحات الإنترنت الشاسعة إلا حقيقة الحقائق... وأعني بها المعلومات والآراء والخبرات !
ويخيل الى أن قد نجحت في التغلب على تلك النزعة التي كاد يقودني اليها انبهاري بالإنترنت.
ولكني كنت أمر بمرحلة اجتذبت خلالها الى الإمساك بالقلم، فتنشر لي عبر الشبكة مقالات من دفتر التدوين، وعن المال والأعمال، ثم أخرى عن فن المحادثة وفن التصوير وبعض الخدمات الفردية المجانية، فيعرض علي فجأة صديق خبير معلوماتي، وكان معنيا بمشروع ضخم ربحي ما كان يسميه ((بالأد سنس)) بأن أهتم بالمشاريع الربحية الإلكترونية، على غرار اهتمامي بما أسميته : ((المعلومات والآراء والخبرات)) !
محاولة لم يكتب لها أن تتم، بل ما كدت أخطو نحوها بخطوات حتى تراجعت، فإنها - الإنترنت - من البحور الفياضة باحداث... صحيح أني أطرحتها جانبا حين تراجعت، ولكني كنت أقبلت عليها حين أزعمت ! فكيف سمحت لنفسي... بينما تملكني تخادل عن كتبي ومراجعي التقليدية، وقد قيل عن هذا ما قيل !
ورغم ذلك فإني أتهيب الإقدام... يركبني التردد... أحجم ثم تراودني نواخسي من همة، ولكني أعود فارجئ بعد اعتزام.
وفي مكتبي من المكان الذي تعودت أن أتردد إليه، تمتد أصابعي فجاة فتضغط على الملمس، نقرات معتادة، ويتم الإتصال.. الإتصال بالإنترنت، لكني أضم إليها كتبي ومراجعي المجاورة للحاسوب الثابت هي الأخرى... ((وأنا أردد : الإنترنت وسيلة حضارية تنطلق من عالم الفكر والمال)). وكانت تجربة.. وأي تجربة !

الجمعة، 4 أبريل 2008

التدوين الإلكتروني

قد يستغرب الكثير من القراء للتدوين الإلكتروني من قصر المدونة وتناولها الخاطف للموضوع، ولكن هذا الإستغراب يتضاءل حين نعرف أن مفهوم التدوين الإلكتروني يقوم على قيمة نقدية مفادها أنه نقيض الطول، ونقيض الإستفاضة والإستطراد، انطلاقا من قيمة نقدية رصينة، هي أن الكاتب - من أي نوع - لا ينبغي له أن يقول كل شيء أو يقدم كل شيء فثمة حيّز - لا بد منه - لمساهمة القارئ أو المتلقي في الأثر الموضوعي عن طريق التعليق - كما هو الشأن في مواقع المدونات على سبيل المثال.
إن المدونة أو التدوينة الصغيرة التي تدور حول ظاهرة طبيعية أو اجتماعية أو انسانية أو اقتصادية أو فكرية أو تقنية..، مهمتها - حسب هذا المنطق - هي استثارة المعاني كلها.. ومن هنا فإن التدوينة لا تنتهي بقراءتها، بل تبدأ في نفس المتلقي عند الإنتهاء من قراءتها، إنها بذرة ينبغي لها أن تنمو، ولكن في حدود، مهما اتسعت، فهي حدود ترسمها التدوينة الناجحة في استثارة موضوعها.
ومع أن هذه القيمة الفنية النقدية هي فرضية كل أنواع الإبداع الفني لدى كل كاتب على وجه العموم، إلا أن التدوين الإلكتروني هو التعبير الأمثل والأوضح لهذه القيمة، إنه يشرك المتلقي في العملية الإبداعية، وهو يحقق، ضمن ما يحقق، التأثير في المتلقي، فيما هو يستفز فكر كل قارئ، ومن ثم امكانية الرد المباشر والفوري. وهو ما يميز التدوين الإلكتروني عن غيره.

الجمعة، 28 مارس 2008

من خواطر مسافر

قبل أن أهم بترديد آخر دعاء بالسلامة، نازلا من سلم الطائرة وأنا أقوم بأول تحليق لي في حياتي بين الأرض والسماء، لفت انتباهي شخص يكشف من تحت ملابسه عن قنبلة يدوية غير آبه بالنازلين من الطائرة، أسرعت إليه ونظراتي كلها على ما كشف فجأة من تحت جلبابه القصير، انتزعتها منه بكل ما أوتيت من قوة، وعيناي تكاد تذرفان، وشفتاي تتمتمان بدعاء صادق نابع من أعماق القلب، ولم أعر أي اهتمام للتحول الذي طرأ عليه . لأنه كان في نيتي أن أضايقه وألاصقه وأسد عليه طرائقه لأوثقه، لكنه كان أكثر وعيا بالموقف الذي فيه، فدفعني للخلف بشدة وهرب.. وضعت القنبلة اليدوية في حقيبتي واتجهت صوب أول مركز أمني أجده أمامي في أول مدينة أجنبية أزورها في حياتي. واقترب مني شاب يعمل في المطار. وبادرني بالقول : ((حين رأيتك يا سيدي تنحني لتنزع المتفجرة من ذلك الشخص دمعت عيناي لأنني تذكرت قريبا لي توفي في اواخر القرن الماضي بسبب مواجهته لأحد الإنتحاريين، وخفت أن تخطأ في إنتزاعها منه فتقع الكارثة)).
اجبته بوقار ((أعرف أني عرضت نفسي للخطر لكن الغيرة على الآخرين والحفاظ على النفوس المعصومة لا تسمحان للإنسان المسلم أن يفكر في نفسه وينسى اخوانه المسلمين.. انه الإثار يا أخي وهو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية رغبة في الحظوظ الدينية وذلك ينشأ عن قوة اليقين وتوكيد المحبة والصبر على المشقة. قال تعالى : <<ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة>> من الآية 9 سورة الحشر. يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية اي يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم ويبدأون بالناس قبلهم في حال احتياجهم الى ذلك... ويكفيني أن عملي الصغير هذا ذكرك بقريبك المتوفى عسى أن تدعو له بالرحمة والغفران)).
وأضاف الشاب يقول ((يبدو مما أقرأ وأسمع أن كثيرا من مناطق عالمنا الإسلامي يعيش على أحداث الإنفجارات والإغتيالات وقتل النفوس المعصومة بغير حق وباسم الدين)) وعقبت على كلامه : ((ان مسؤولية المسلمين - خاصة أهل الإختصاص منهم عظيمة وخطيرة تجاه الأمة المسلمة بتوعيتها بوجوب التربية الدينية ومعرفة الدين على الطريق الصحيح، وتفسير آيات حرمة قتل النفس المعصومة، واذكرك هنا ببعض هذه الآيات القرآنية الكريمة :
يقول تعالى : <<ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا>> الآية 33/ سورة الإسراء.
ويقول عز وجل : <<ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما>> الآية 93/ سورة النساء.
ويقول أيضا في محكم كتابه : <<... ولاتقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما. ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيرا>> من الآية 29 والآية 30/ سورة النساء.
إذن فمسؤولية أهل الإختصاص من العلماء والفقهاء غنية عظيمة ولا مفر منها تجاه الأقطار المسلمة وما أكثرها لإنقاد المسلمين من تشويه صورتهم وصورة الإسلام ومن هؤلاء المتوحشين الذين يقتلون الناس بلا سبب وبدم بارد وباسم الإسلام والإسلام منهم بريئ..
فالأرواح عندهم رخيصة، لأنهم مجرمين مهما قالوا ومهما ادعوا أنهم يجاهدون.. الإسلام أبداً لا يقبل قتل الأنفس المحرمة.. أو ارهابها وتهديدها.
وعلى المسلم أن لا يعبأ بهم لأن ميزانه الوحيد لقياس الأمور هو تقوى الله تعالى والعمل بما في كتابه وسنة نبيه.. وليس الإنخداع بما يردده هؤلاء القوم الذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم حتى صارت كالحجارة أو أشد حسب اللفظ القرآني.. نعم وليس الإنخداع بأنك بهذا العمل - الذي لا يقره الله ولا رسوله ولا الفطرة الإنسانية - ستعلو مرتبتك في الدار الأخرى وستتزوج الحور العين، فهذا خداع النفس الأمارة بالسوء)).
وأضاف الشاب : ((بسبب طول اقامتي في ديار الغرب أصبح من الصعب علي أن أتذكر عالما مسلما أو فقيها.. وأجدني اضطر أن اورد كلام الفيلسوف الغربي هو كارل ياسرزان حيث يقول : الإنسان في حالة غياب مبدأ أو عقيدة يعتنقها يجد نفسه تائها ضائعا وغيرها من حالات الوجود الحادة)).
وأدركت موقف الشاب الحرج وهو عاجز عن الإستشهاد بأقول وحكم مستوحاة من عقيدته الإسلامية، وأردت أن أخفف من حدة الحرج، فقلت : ((كلام الفيلسوف صحيح.. وتذكر يا أخي أن رسولنا صلى الله عليه وسلم أوصانا بأن نتحرى الحكمة أينما كانت.. ولكن نبدأ بالحكمة العظيمة الموجودة كنوزها في القرآن والسنة)).
اننا في الحقيقة بحاجة الى تنقية موارد مصادر ثقافتنا وفكرنا التي اختلطت اختلاطا مروعا يهدد بتصدع وتحول عظيم في الصميم حتى نحصل على فكر وثقافة صالحة لتغدية نمونا الطبيعي كيلا نتعرض لخطر التحول عن فطرتنا.
فالإسلام لم يعتمد في نشر عقيدته على حرب أو اكراه.. وكيف يكون ذلك والمولى عز وجل يقول في محكم كتابه : <<ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن>> الآية 125/ سورة النحل. ولم تقل الآية اقتلهم وفجرهم !.
<<لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي>> من الآية 256/ سورة البقرة.
<<إن هو إلا ذكر للعالمين. لمن شاء منكم أن يستقيم>> الآيتان 27 و 28/ سورة التكوير.
فالسلام هو الأصل في دعوة الإسلام والحرب استثناء لا يلجأ اليها الا عند الضرورة القصوى ولا تكون أبداً نية التوسع والإستعمار بل للدفاع عن النفس. <<وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين>> الآية 190/ سورة البقرة.
والمسلم ملزم في حروبه بالتسامح والتقوى والعدل ومنع الإعتداء والجور والظلم وقتل الأبرياء حتى تتحقق حرية الفكرة والعقيدة فيقبل الناس على رسالة السماء.
وأطرق الشاب خجلا وقال : ((انت محق يا أخي.. وسأشمر على ساعد الجد لأدرس حقائق ديني الخالدة، وأنا آسف لقصر الوقت، لأنني سأنصرف حالا للعمل)).
وهممت بالإنصراف بعد أن دعوت للشاب بالفلاح والتوفيق في الدنيا والآخرة، وتلقيت منه ارشادات للتنقل الى مركز الأمن، ثم الى حيث تقطن أسرتي المهاجرة.

الجمعة، 21 مارس 2008

مسألة مفهومة

يستغرب بعض المبحرين، مدونين وغير مدونين، أن يصل التمييز في المجتمع التدويني الى الإتحادات التدوينية العربية نفسها. ويقول هؤلاء : قد تكون ممارسة هذا التمييز على المواطنين في الدول المستبدة (صاحبة السلطة المطلقة) مفهومة وبصرف النظر عن الموافقة أو عدم الموافقة عليها. لكن ممارستها على المدونين أنفسهم فهي مسألة تظل غير مفهومة، وتحتاج الى تنبيه.. إذ المتعارف عليه أن الإفتراض يحتاج الى دليل صحته، وبالتالي : كيف يمكننا التمييز والحكم على شيء إفتراضي ؟!
لكننا، وبدون أن ننقب عن أسباب التمييز في المجتمع التدويني، نجد أن ممارسته ضد الإتحادات التدوينية غير الأعجمية مفهومة تماماً. فالخلفيات التي يأتي بها بعض المدونين بدافع الإستقطاب من جهة والرغبة في تقليص دائرة التدوين (بين جماعة أشخاص معروفة) الى أقصى حد ممكن، جعل الحديث يصل الى مرحلة المخططات فيما يخص تهميش وإقصاء المدونين العرب المستقلين حيث لم يعد ذلك سراً يجري فيه الحديث همساً.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن السؤال المطروح هو : من يقوم بالأعمال المستفزة التي يقوم بها المدونون العرب الآن، ومن أجل أن تبقى ((الإتحادات التدوينية)) نخبة مختارة داخل المجتمع التدويني ؟! والجواب : ليس هناك سوى المدونين أصحاب الخلفيات الحزبية وأمثالهم.
لذلك جاء في تقرير على لسان أحد خبراء التقنية المعلوماتية أن مواقع المدونات الحزبية والمؤسساتية والمهنية وأمثالها، يجب أن تستبعد قد الإمكان عن إضفائها شرعية مدونة أكثر من تعريفها التقني. إذ يتبين أن هذه المواقع برغماتية، وهدفها ليس التدوين السامي بمعناه الشامل.
وإذا عرف السبب أصبحت المسألة مفهومة..
أليس كذلك ؟!

الجمعة، 14 مارس 2008

حدث الهجرة النبوية

بالأمس القريب استقبل المسلمون السنة الهجرية الجديدة 1429 .
لكننا اليوم نجد أنفسنا مدعوين لتأمل حدث الهجرة وما يعنيه. وليس غريبا أن نتحدث في الأمر على هذا النحو، ونحن نعرف - وقد لاحظنا - التقصير الواضح وعدم الإهتمام بهذا الحدث، بما في ذلك السيرة النبوية تلك الرصيد التاريخي الأول الذي تستمد منه الأجيال المتلاحقة من ورثة النبوة وحملة مشاعل العقيدة زاد مسيرتها، وعناصر بقاءها، وأصول امتدادها.
فلم يعد الأمر يهزنا هز المناسبة العظيمة ! وأصبحنا نرى <<خير أمة أخرجت للناس>> مفقودة التربية الروحية، عاجزة عن التسلح بمفاهيم الإسلام الأصيلة، وغير قادرة على المواجهة والمناظرة بوجهة نظر اسلامية صحيحة قادرة على النظر الصحيح.
لن أتطاول في هذا الموضوع الى تحليل حدث الهجرة، لأن أهل الإختصاص في الشأن الديني، قد سبقوني الى تحليلها، تحليلا دقيقا متصلا شاملا.
وانما سأكتفي بأخد مقتطفات من أحداث الهجرة، ووضعها أمام القارئ للتأمل العقلي من الجانب الفكري، والتأمل الواقعي من الجانب الحسي.
وهذه الأحداث المختارة، تمثل تاريخ أمة - كما سيتبين لنا - استطاعت في ما بعد ارساء الدعائم الأولى للإسلام. وتكوين مجتمع إسلامي جديد.
وبعد هذا التمهيد الموجز، فلنشرع في التحليل :
نجح الإسلام في تأسيس وطن له وسط صحراء تموج بالكفر والشرك والجهالة، وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة الى هذا الوطن.
ولم يكن معنى الهجرة إلا التضحية بالغالي والنفيس، واهدار المصالح، والنجاة، نحو مستقبل غير معلوم، مبهم.
وبدأ المسلمون يهاجرون، وهم يعرفون كل ذلك، والمشركون يحولون بينهم وبين خروجهم، لما كانوا يحسون من الخطر. لكن ومع هذا المنع خرج الصحابة أرسالا يتبع بعضهم بعض. ولم يبقى بمكة من المسلمين إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق وجماعة من الذين لم يستطيعوا الخروج (مكرهين). وقد أعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جهازه ينتظر متى يؤمر بالخروج، وأعد ابو بكر جهازه. - زاد المعاد 2/52.
وشعر المشركون وعلى رأسهم قريش بتفاقم الوضع الذي كان يهدد كيانهم، فصاروا يبحثون عن أنجع الوسائل لدفع هذا الخطر، الذي مبعثه الوحيد هو حامل دعوة الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم.
وكانت الوسيلة والقرار الغاشم الذي أجمعوا عليه هو قتل النبي صلى الله عليه وسلم بعد سلسلة من الإقتراحات والحلول. وقد صمموا على تنفيذ هذا القرار فورا. - انظر ابن هشام 1/480،481،482.
ولما اتخد القرار الغاشم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم نزل إليه جبريل بوحي من ربه تبارك وتعالى، فأخبره بمؤامرة مشركي قريش، وأن الله أذن له في الخروج، وحدد له وقت الهجرة قائلا : لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه. - ابن هشام 1/482، زاد المعاد 2/52.
تقول عائشة رضي الله عنها : بينما نحن جلوس في بيت ابي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعا، في ساعة لم يكن ياتينا فيها، وقال ابو بكر : فداء له ابي وامي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر.
قالت : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له، فدخل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : أخرج من عندك. فقال أبو بكر : انما هم أهلك، بابي أنت يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم. - صحيح البخاري، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه 1/553.
وبعد إبرام خطة الهجرة رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بيته، ينتظر مجيء الليل.
أما أكابر قريش فقضوا نهارهم في الإعداد لتنفيذ الخطة المرسومة التي أبرموها بينهم، واختير لذلك احد عشر رئيسا من هؤلاء الأكابر.
قال ابن اسحاق : فلما كانت عتمة الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى نام، فيثبون عليه. - ابن هشام 1/482.
وقد كان ميعاد تنفيذ تلك المؤامرة بعد منتصف الليل، فباتوا متيقظين ينتظرون ساعة الصفر، ولكن الله غالب على أمره، فقد فعل ما خاطب به تبارك وتعالى الرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد : <<وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون يمكر الله والله خير الماكرين>> (8 : 30).
ومع غاية استعداد قريش لتنفيذ خطتهم فقد فشلوا فشلا مبينا. ففي هذه الساعة الحرجة. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واخترق صفوفهم، وأخد حفنة من التراب فجعل يذره على رؤوسهم، وقد أخد الله أبصارهم عنه فلا يرونه، وهو يتلو : <<وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون>> (39 : 9)، ومضى الى بيت ابي بكر، فخرجا من باب خلفي لدار ابي بكر ليلا حتى لحقا غار ثور في اتجاه اليمن. - نفس المصدر السابق.
وبقي المحاصرون ينتظرون حلول ساعة الصفر، فجاءهم رجل ممن لم يكن معهم، ورآهم ببابه فقال : ما تنتظرون قالوا محمدا. قال خبتم وخسرتم، قد والله مر بكم، وذر على رؤوسكم التراب وانطلق لحاجته، قالوا والله ما أبصرناه، وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم.
وغادر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته في ليلة 27 من شهر صفر 14 من النبوة الموافق 12/13 سبتمبر سنة 622م. - رحمة للعالمين 1/95، مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد الله النجدي ص 167.
ولما انتهيا الى الغار، كمنا فيه ثلاث أيام، ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الأحد. - انظر فتح الباري 7/336.
أما قريش فقد جن جنونها حينما تأكد لديها افلات رسول الله صلى الله عليه وسلم صباح ليلة تنفيذ المؤامرة. فقررت في جلسة طارئة استخدام جميع الوسائل التي يمكن بها القبض على الرجلين، كما قررت اعطاء مكافأة ضخمة قدرها مائة ناقة بدل كل واحد منهما لمن يعيدهما الى قريش حيّين أو ميّتين.
وحينئذ جدّ المطاردون في الطلب، وانتشروا في الجبال والوديان، والهضاب، لكن من دون جدوى وبغير عائدة.
وقد وصل المطاردون الى باب الغار، لكن الله غالب على امره، روى البخاري عن أنس عن أبي بكر قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار فرفعت رأسي، فإذا بأقدام القوم، فقلت يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا. فقال : اسكت يا آبا بكر، اثنان الله ثالثها، وفي لفظ : ما ظنك يا آبا بكر باثنين الله ثالثها. - صحيح البخاري 1/516/558.
وقد كانت معجزة أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد رجع المطاردون حين لم يبق بينه وبينهم إلا خطوات معدودة.
وحين خمدت نار الطلب، وتوقفت أعمال دوريات التفتيش، بعد استمرار المطاردة الحثيثة ثلاثة أيام بدون جدوى، ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه، وارتحل معهما عامر بن فهرية وكان يرعى عليهما منحة من غنم، يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث. وأخد بهم الدليل - عبد الله بن أريقط الليثي - وكان قد استاجراه من قبل ليؤمن لها راحلتيهما، وقد وعداه غار ثور بعد ثلاثة ليال براحلتيهما. وهو ماهر بالطريق.
وفي يوم الإثنين 8 ربيع الأول سنة 14 من النبوة - وهي السنة الأولى من الهجرة - الموافق 23 سبتمبر 622م.
نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء. - روى ذلك البخاري عن عروة بن الزبير 1/554.
قال ابن القيم : وسمعت الرَّجَّةُ والتدبير في بني عمرو بن عوف، وكبر المسلمون فرحا بقدومه، وخرجوا للقائه، فتلقوه وحيّوه بتحية النبوة، فأحدقوا به مطيفين حوله، والسكينة تغشاه، والوحي ينزل عليه : <<فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين، والملائكة بعد ذلك ظهيرا>> ( 66 : 4 ). - زاد المعاد 2/54.
وكانت المدينة كلها قد زحفت للإستقبال، وكان يوما مشهودا لم تشهد المدينة مثله في تاريخها، وقد رأى اليهود صدق بشارة حبقوق النبي : إن الله جاء من التيمان، والقدوس من جبال فاران. - صحيفة حبقوق (3 : 3 ).
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء أربعة أيام : الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس. - هذا ما رواه ابن اسحاق انظر ابن هشام 1/494. وأسس مسجد قباء وصلى فيه، وهو أول مسجد أسس على التقوى بعد النبوة، فلما كان يوم الخامس - يوم الجمعة - ركب بأمر الله له، وأبو بكر ردفه، وأرسل الى بني النجار - أخواله فجاءوا متقلدين سيوفهم، فساروا نحو المدينة، فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فجمع بهم في المسجد اليذي بي بطن الوادي، وكانوا مائة رجل.
وبعد الجمعة دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة - ومن ذلك اليوم سميت بلدة يثرب مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعبر عنها بالمدينة مختصرا - وكان يوما تاريخا أعر، فقد كانت البيوت والسكك ترتج بأصوات التحميد والتقديس، وكانت بنات الأنصار تغني بهذه الأبيات فرحا وسروا. - صحيح البخاري 1/555.
أشـرق البدر علينا *** مـن ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا *** مـا دعــا لله داع
أيهـا المبعوث فينـا *** جئت بالامر المطاع
هذه مقتطفات موجزة لمجمل احداث الهجرة من كتاب يقع في 495 صفحة من القطع الكبير، وعنوانه : الرحيق المختوم من تأليف : صفي الرحمن المباركفوري، صادر عن دار الحديث القاهرة، وبتصرف.
ان الهجرة النبوية كانت نجاح للإسلام في إعلاء كلمته.. فلم يكن معناها هو التخلص من الفتنة والإستهزاء فحسب، بل كانت الهجرة مع هذا تعاونا على مجتمع جديد في بلد آمن. ولذلك أصبح فرضا على كل مسلم قادر أن يسهم في بناء هذا الوطن الجديد، ان يبذل جهده في تحصينه ورفعة شأنه.

الجمعة، 7 مارس 2008

لأجل سياسة سعرية في خدمة المواطنين

لابد أن المراقب من مسافة معينة لما يحصل في مدينة مراكش وكافة المدن المغربية والعربية وحتى العالمية قد لاحظ ذلك الإرتفاع الواضح في أسعار المواد الغدائية الأساسية. الأمر الذي يجعله يطرح عدة أسئلة أخدته لتحاليل عدة منها ما قارب الحقيقة ومنها ما جانب الصواب ولم يلامس الأسباب الفعلية لهذا الإرتفاع، ليبقى السؤال الأهم والتحليل الذي يجب أن يأخد النصيب الأول من الإهتمام هو ما الإجراءات الأساسية واللازمة للتخفيف من الأسعار بهدف تثبيتها والعمل على استقرارها. خدمة للمواطنين وحماية للإقتصاد وتطويره ودعمه؟! .
إن قضايا الأسعار يجب أن تستأثر وباهتمام كبير ومتزايد الحكومات والمؤسسات الإقتصادية في العالم لأنها تتصل وبعمق بجوهر العملية الإقتصادية، ولذلك على الدول متابعة حركة الأسعار العالمية وتحليل اتجاهاتها ودراسة الإجراءات والأحداث السعرية التي تقوم بها الدول وحساب احتمالات تأثيرها على اقتصاد كل منها واتخاد القرارات التي من شأنها تعزيز قدرتها في مواجهة تلك التأثيرات.
فالسياسة السعرية يجب أن تكون واضحة وتضع في مقدمة أهدافها خدمة المواطنين وتأمين توفير المواد والسلع والبضائع وخاصة تلك التي تتعامل بها شركات القطاع التجاري بأنسب الأسعار التي تلائم دخول المستهلكين حتى وإن اضطرت الدولة الى دعم بعض المواد الأساسية وعرضها بأسعار تقل بكثير عن الأسعار التي تباع بها في الأقطار المنتجة لها في العالم.
ومن هنا أرى أن أسعار السلع والخدمات الأساسية التي تهم المواطنين، لابد أولا من تحديد الدعم اللازم لها بتخفيف المبالغ لتغطية الخسائر السنوية الناجمة عن كلفتها بهدف تثبيت مستوى أسعارها واستقرارها. وكذا العمل على اقرار الأسس والضوابط المتعلقة بتنظيم السوق المحلي ووضع قواعد التنسيق بين الإنتاج الوطني والمستورد وتذليل كل المعوقات التي تعترض العملية الإستيرادية أثناء تنفيذها.
ثانيا : تنظيم السياسة التجارية ومتابعة تنفيذها بما يضمن حماية الإقتصاد وتطويره ومنع الإحتكار والتلاعب بأسعار السلع وتوفيرها للمواطنين بأسعار تتناسب ومستواهم المعاشي.
وبعيداً عن الظواهر الإعلامية، فليس هناك أي إجراء حقيقي أو سياسة تحترم الحقوق الإجتماعية والإقتصادية، للمواطنين! .
وكل ما نسمعه من وعود وإجراءات ليست إلا ذر للرماد في العيون. والدليل على ذلك هو أنه مع كل تسوق يومي، نجد سعراً جديداً وارتفاعاً في أثمنة المواد الأساسية! .
إن ما يقع في مراكش كباقي المدن المغربية والعربية من غلاء مرتفع في المعيشة اليومية، نقص في السياسة السعرية. وهي حقيقة لاتعالج في كل الأحوال واقع الحال وبالصورة المطلوبة.
وما هذه الورقة إلا فرصة للتذكير بالأوضاع التي يعيشها الفقراء والجائعون الجدد. وأن الدول العربية ومن بينها المغرب لم تف بالتزاماتها في ما يخص الحقوق الإجتماعية والإقتصادية للمواطنين، ولم تتبع سياسات ناجعة للحد من خطورة الإرتفاع المتزايد للأسعار.
كما أن جواب الحكومات عن غلاء المعيشة في نظر المواطن البسيط ليس هو التمادي في تفعيل الزيادات ولا الوعود المعسولة التي لاتفي بها بل تجسيد الموقف الفاعل في إيقاف ارتفاع تكاليف العيش، والتراجع عن الزيادات، ولأجل كرامة المواطن في عيش كريم.

الجمعة، 22 فبراير 2008

متى تكف مواقعنا العربية عن إعلاناتها اللأخلاقية ؟!

توقفت منقبضا أمام الصفحة الإلكترونية .
الموقع لإحدى المنصات المعروفة لخدمة المدونات على الإنترنت. والإعلانات على أشدها في سبيل الحصول على أكبر عدد من النقرات ولو بطرق غير مشروعة. جذبني من حشاشتي نص إعلاني تجاري مترجما الى اللغة العربية. صدمتني العلامة المطبوعة تعلو هامة الإعلان، فأيقنت من الوهلة الأولى أن الإهتمام من قبل المعلن والناشر منصب على العلامة التجارية، بغض النظر عن الإعلان التجاري.. المترجم !
وابتلعتني ردود الفعل. تذكرت أنني منذ أيام - وكنت أتردد على شارع من شوارع مدينتي مراكش بالمغرب - أتيح لي مشاهدة إعلان تجاري (بالمنطقة)، وهو صورة كبيرة يلاحظ فيه المشاهد شفتين بمكياج خاص - لفتاة من عارضات الجمال - تأخد ثلاثة أرباع من الإعلان، وفي الجانب الأيسر للإعلان يوجد تصميم صغير لسيارة مع إسم شركتها. ومن لحظتها أيقنت أن المتلقي بأخلاقه وروحه وإنسانيته لايمكن ولاينبغي أن يصبح ألعوبة يوجه الى أي إتجاه. لا أتذكر الآن من شواهد الإقتناع بهذا الرأي غير أن الإعلان غير الأخلاقي عمل غير إنساني ينحدر الى مستوى البهائم.
أقول أنني توقفت منقبضا أمام الصفحة الإلكترونية. تجلدني ردود الفعل في السابقة القديمة، ووجدتني أنقر على الرابط بأكبر حجم هائل من الفضول المعذب !
لا أريد أن أخوض في عرض تلك المضاهاة البائسة بين ما هو على الإعلان التجاري المترجم، وبين ما هو موجود خلفه من إباحية ورسوم جنسية بمختلف الأوضاع ! ومواد مرئية خليعة ! لكني حين بدأت - مدفوعا بذلك الفضول المعذب - الى إقامة تلك الحدود بين ما رأيته قبلا في الإعلان، وبين ما أشاهده الآن (دون قصد مني) من صور تمس آدمية وشرف المرأة بالذات.. أدركت أن الخطأ الجسيم الذي ارتكبه الناشر (صاحب المنصة التدوينية) أقل بكثير من خطأ المدونين على تلك المنصة، الذين لم يتخدوا حتى الآن وسيلة من وسائل الحد من هذا العبث المتكرر بين حين وآخر بدعوى "حق الإعلان في المواقع المجانية" أو غيره من الدعاوي السافرة، التي تهدف الى توصيل الإعلان بأي طريقة، (ولو بإعلانات جنسية فاجرة) الى المتلقي (المبحر) ! ضاربة عرض الحائط مبدأ الكرامة الاخلاقية وأصول الإعلان والدعاية.
إن الإعلان الموجود أمامي نشر لأول مرة في مارس/آذار 2007 . مثلما نلاحظ الى أنه منذ ذلك التاريخ، وهو يعاد - بين الفينة والأخرى - نشره. وهذا يعني أن مديري الموقع راغبون ومتلهفون للإستمرار في إعلانه والكسب من إيراداته. وهم يؤمنون حتماً بالشعار الشهير الذي يقول : << كل ممنوع مرغوب >>، بينما المدونون على موقع هذه الشركة (التي لانريد الإفصاح عنها حتى لانتهم بالتشهير أو التغرير) غائبون عن هذه الحقيقة. مثلما يعني نشر هذا الإعلان في صفحات مدوناتهم الشخصية، أن المؤامرة على المتلقي (المبحر) تؤتي أكلها في أوساط هذه المدونات، دون أن يتنبّه مدوّنونا الى ذلك الخطر المحدق بهم وبقرائهم في كل بلاد الدنيا، والى تلك الجراح التي تنزف من كل قارئ ومبحر غيور !
إن أهل الإختصاص المنوطون بحماية المبحر على الإنترنت من التطاول عليه والتلاعب به.. ينبغي عليهم أن ينبروا بخطط مستنيرة في وجه مثل هذه المواقع الآثمة، إحباطاً لمؤامرات علنية تمس جوهر المُبحر الأنترنتي، وتنتهك آدميته وشرفه.
إن الإستغفار - أيها السادة الأفاضل - لايغفر ما تحتوي عليه المدونات على هذه المنصة بالذات من مواد كريهة (المواد الإباحية)، تنعكس بالسلب - على الأطفال والشباب خاصة - أخلاقيا وتزيد من معدلات الإنحراف السلوكي وإرتفاع معدلات الجرائم الأخلاقية.
مالنا لانسعى وراء ما يجعل الإعلان يوافق فطرتنا الطبيعية سلامة لشرفنا وحفاظا على آدميتنا ؟
إن مثل هذه الإعلانات عانينا منها الكثير - لقد أصبحت مواقعنا التجارية مثلها مثل المواقع الغربية مواقع مليئة بكل الصور الإباحية والجنسية - وهو ما يجعلنا في موقف ستهدد فيه أسرنا وتزلزل كل قيمنا ومبادئنا.
فمتى تكف المواقع التجارية العربية عن إعلاناتها اللأخلاقية ؟!

الجمعة، 15 فبراير 2008

نية الإسرائيليين تجاه غزة

الإسرائيليون أصبحت نيتهم جلية واضحة في ضم غزة الفلسطينية، وباتوا ينتظرون اللحظة المناسبة. وبتنفيذ الإسرائيليين هذه النية، فإنهم يأملون في إزالة وتصفية المشكلة الفلسطينية، خصوصا إذا نجحوا في إجبار أغلبية فلسطيني غزة على تركهم أرضهم والذهاب إلى مصر والدول العربية الأخرى. وعلى الرغم من نيات الإسرائليين الواضحة، فلا يزالون يدعون أنهم متمسكون بأحبال السلام ! .
والمشكلة الفلسطينية - كما نعلم - كنتيجة للعدوان الإسرائيلي، أصبح أكثر من ثلثي (وفق إحصاء 2007) من الفلسطينيين لاجئين في الدول الأجنبية. أما أولائك الذين بقوا في أراضيهم السابقة فقد اضحوا يعيشون في الظروف والشروط التي تمليها إسرائيل وأمريكا، وهي ظروف لا تقرها العدالة والمساواة واللياقة.
وما يعنينا اليوم - في حملتنا هاته - هو السبيل للخروج من هذه الورطة أو هذا الحصار المقام على غزة الفلسطينية، لأنه ستقع كارثة في حالة عدم التوصل الى حل، ولامر من مواجهة تؤدي الى مزيد من إسالة الدماء ولن يكون حينئد خيار آخر سوى أن نتحد كعرب في مواجهة مع إسرائيل.
ولسنا هنا ضد السلام ولكن يبقى هذا الخيار محتملا إذا لم تصنع الحلول السلمية شيئا.
وللأسف الشديد، أقول وأكرر لابد من مواجهة في الشرق الأوسط ولو الى حين ! .

الخميس، 31 يناير 2008

انقطاع الإتصال بالإنترنت أية إكراهات ؟

فجأة وبدون مقدمات وجد العديد من المبحرين على الشبكة العالمية للمعلومات الإنترنت أنفسهم خارج نطاق التغطية، فقد انقطع تواصلهم بالإنترنت وأصبحو مبعدين عن الدخول الى عالمه.
فمنذ اليوم وحتى إشعار آخر سيأخد المهتمون بالشأن الأنترنتي في الشرق الأوسط والهند إجازة غير طوعية، بسبب إنقطاع الكابل الرئيسي المغذي للمنطقتين والممتد عبر البحر المتوسط.
وبدون أدنى شك فإن هؤلاء المبحرين سيضطرون لنسيان العالم الإفتراضي بمنافسته وحيويته وجنونه وسيكتفون بمظاهر الحياة الواقعية فقط.
وإذا كنت (شرقيا أو هنديا ) من المهتمين بالشأن الأنترنتي وخاصة في مجال النشر الإلكتروني أو التدوين فستجد نفسك مضطرا لنسيان الإنترنت، حينها فقط ستكتشف حجم معاناتك، وستسأل نفسك سؤالا وهو... لماذا الإنترنت العربية فقط.
و سنجيب بأن مصيبة الإنترنت والعرب معها أنها أتت إلينا تقنية مستوردة أعجمية وأن مصيبة الإنترنت لا تنتهي بإنقطاعها. وبعد أن أصبحت حياة تغلغلت في عروق أجسادنا وحضرت الى مجالسنا وكشفت ثقافتنا وسلوكنا.
يجدر بنا وبمناسبة عطلة الإنترنت الإضطرارية أن نتذكر أننا نحن الذين أدمنا الإنترنت وجعلناها تحضى بالنصيب الأكبر من وقتنا في متابعتها والإهتمام بها.
وها نحن نحصد حصيلة إدماننا بعد أن ابتعدنا عن أجهزتنا وتبعاتها.
ولنا أن نتساءل عن الكيفية التي سيتصرف بها المبحر والمدون بالخصوص في غياب أية وسيلة تمكنه من الولوج الى عالم الإنترنت ؟
ويحق لنا أن نتسائل أيضا هل بإمكاننا الإطمئنان الى الإنترنت المستوردة مع إكراهات إنقطاع الإتصال بها ؟
سؤال يتبادر الى الذهن من جديد بعد خبر إنقطاع الإتصال بالإنترنت بمنطقة الشرق الأوسط والهند.

الجمعة، 25 يناير 2008

مناشدة لإيقاف الحصار

إن الحصار القاسي الذي لايرحم والذي تتعرض له غزة، حصار وخراب ودمار للبيت الفلسطيني يجب إيقافه. كم مضى على هذا الحصار والنار المشتعلة الموقودة تلهب وتأكل الشعب الفلسطيني الأعزل.
إلى متى سيظل الشعب الفلسطيني شريداً ؟
إلى متى سيظل صوت الثكالى يرتفع بالنحيب ؟
إلى متى سيظل صوت الحق مكتوما ؟
أين نحن من هذه الحالة، هل من سامع، السامعون كثيرون ولكن هل من مجيب، نناشد جميع الدول العربية والإسلامية بقادتها وملوكها ورؤسائها أن تتدخل لإيقاف هذا الحصار وإنهاء الدمار، من أجل ما يهدر من دماء المسلمين الفلسطينيين وأموالهم. من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الحد الأدنى المقبول، قبل أن يصل الوضع إلى حد ((الكارثة الحقيقية)) .