الجمعة، 8 أغسطس 2008

المدونات الخضراء.. إبداعا

كان السؤال الذي حملته في داخلي لأكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة هو التالي: ((كيف نفسر عدم اشتهار أي مدوّن عربي جاد منذ ظهور موجة التدوين؟ علما أن التدوين فرض شهرته في الحياة الإفتراضية؟ لماذا لا نسمع صوت المدوّن العربي بتلك النبرة الجادة القوية بإرادة الحياة في عصر التفاعل الإفتراضي الجديد؟ هل يعني ذلك أن التدوين ظاهرة استثنائية لم يستطع المدون العربي أن يظهرها؟)).
وشيئا فشيئا بعد دراستي لبعض المجتمعات التدوينية العربية أحسست أن سؤالي بصيغته هذه يحتاج الى تعديلات. كان الشيء الغريب أن التدوين العربي يعج فعلا بحركة ثقافية خصبة نشطة في جميع الميادين تقريبا، ولكن هذا النتاج لا يصل إلينا، وما نتوصل به لا نتفاعل معه كما يريد كاتبه أو مدوّنه منه. وهذا ما يجعل صوت المدوّن العربي خافتا على الساحة التدوينية أو خارجها.
وفي منصة تدوينية، زرت مدونات تعرفت من خلالها على كتّاب وكتابات متميزة النكهة، كما وجدت فيها وثيقة تسجيلية لتنامي المدونات العربية في السنوات القليلة المقبلة. ومن خلال ما استطعت أن اقرأه من مقالاتها وادراجاتها حتى الآن أستطيع القول أن المدونات العربية في وضع أفضل مما كانت عليه منذ ظهورها لسنوات قليلة، وانها لا تعاني أزمة التوقف التي تعرضت لها سابقا، بل على العكس من ذلك يبدو عليها أنها في بدء انطلاق جديد. وان كنا لا ننكر أنها تأثرت بالمواضيع غير الجادة الى حد الإسفاف أحياناً.
ومن خلال ما كتبت من ملاحظات عن بعض المدونات قصد الدراسة طبعا، وما لمسته من مدوّنها أثناء حواراتي معهم، وما تعرفت اليه من قائمة مواضيعهم التي تعد بالعشرات، وجدت مدونين يجمعون بعمق بين الأصالة العربية والثقافة المعاصرة ويسمون بكثير فوق عشرات المدونين الذين يغرقوننا بمواضيعهم الساقطة التي لا تفيد قطعا ! (وهم في ذلك معذورون لجهلهم في هدف وجودهم في هذه الحياة الإفتراضية، وخاصة مجتمع التدوين (...) ولكن مع هذا السمو لم نتفاعل مع مدوناتهم الرصينة بالشكل الذي تستحق.
كما قمت بمقاربة بعض المواقع التشاركية الفكرية للمدونين، ومنها موقع يشرف عليه أحد أصحاب المواقع المشهودة في التعريب الثقافي وتصفية أثار الأعجمية اللغوية.
وعلى الرغم من اختلافي مع بعض المدونين حول اتجاه كيانات الشخصية الإقليمية في الوطن العربي في طرح المواضيع، وضرورة تقديم البعد العام أو القومي – بشكل مبدئ قاطع – على البعد الخاص أو المحلي، فإني وجدت فيهم محاوريين يتحسسون بصورة نابضة القضايا السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية وحتى التقنية بمستجداتهم المعاصرة وعلى استعدادهم ليستمعوا الى وجهة النظر الأخرى بسماحة عربية أصيلة أصبحنا نفتقدها للأسف في مجالات الحوار بين الإتجاهات الفكرية المختلفة في الوطن العربي.
وهنا لا بد من التنويه بجو الإنفتاح الفكري الذي أصبح ملحوظا في أوساط المُدوّنات والحياة التدوينية بشكل يتيح المجال لنمو التجديد الصحي. هذا مع تنامي تيار الحفاظ على الأصالة العربية الإسلامية في الشخصية التدوينية المعاصرة، وهي أصالة وجدتها متمثلة في مدونات حرصت على أن تجسد نفسها الرعيل الصلب في شؤون الإسلام والعصر وبما تطرحه من مواضيع ومن منطلق التشبت بالأصل والإنفتاح على العصر !
وبعد: فإن قصور وسائل الإعلام والدعاية بين المدوّن والمتلقي القارئ عامل هام في اضعاف التفاعل بين الجانبين. ولكن هذا ليس جوهريا على أهميته.
ما هو الجوهري أن توجد لدينا حالة الإنفتاح النفسي والذهني للتفاعل والتعرف والإستفادة دون أحكام مسبقة.
وأعتقد أنه في غمرة الأزمة التي يمر منها المُدوّن العربي الجاد، أمام مدونين يحصلون على متابعة وشعبية في نظره لا يستحقونها، تستطيع الحركة التدوينية العربية أن تعطينا دما جديدا نحتاجه لمقاومة الركود الذي طال على مدوناتنا. وهذا يعني أن المدونين الذين لا يقدمون شيئا هم الخاسرون في حالة استمرار تغافلهم عن الإبداع المتفتح في التدوين العربي.