الجمعة، 16 مايو 2008

الخارجون على القانون

المقهى في تلك الساعة بعد الظهيرة مزدحم برواده... سكونه بديع لايعكر صفوه إلا ضحكات عريضة منبعثة من بعض الطلبة الجامعيين (الذين يرتادون هذا المقهى في أوقات فراغهم بحكم قربه من جامعتهم)، وتصفيق الزبائن عند تأخر وصول مشروب.
جلست مع صديقي في ركن بعيد عن العيون، كنا نراقب ما يدور حولنا في صمت وهدوء.. لفت نظرنا حركة غير عادية بالشارع أمامنا، ومجموعة من الشباب يتدفقون على المقهى وقد بلغ بهم الهلع والخوف حداً مضنياً.
سمع الجميع أصوات أشياء تنكسر، أناس تركض في جميع الإتجاهات، وتصرخ بشكل رهيب للغاية.. وفجأة صاح أحد الشباب الذين تواجدوا فجأة في المقهى.
- قوات الأمن تهاجمنا.. توجهوا داخل المقهى، انصرفوا الى أي مكان للإختباء. أو للهروب.
ورأيته يقوم بإغلاق أبواب المقهى.. ولم يتمم كلامه حتى وجدنا أنفسنا محاصرون من جميع الجهات كأننا في ميدان قتال.. لأن جميع من كان في المقهى اختار الهرب.. مال صديقي على أذني وحدثني بصوت خفيض.
- النوايا الأمنية ليس لها حل سوى ((الضرب))! وبالتالي لنفكر في خطة للهروب.
* أي هروب وماذا فعلنا ؟!
- كما تعلم فالمقهى على مقربة من الجامعة، وفي علمي أنه ستقام اليوم مظاهرة طلابية في الحرم الجامعي وحتى خارجه. ولهذا السبب تواجدت قوات الأمن، ومن المفيد أن نبحث عن ممرّ نخرج منه قبل أن تقع المواجهات والإصطدامات بين الأمن والطلبة !
وخلال رحلة الخروج من الحصار الأمني وقعت المواجهات حقاً. وفي ((بطولة)) جوفاء خالية من النبل ومن أي إحساس إنساني رفعت قوات الأمن هراواتها أمام المواطنين، وراحوا يضربون ويطاردون !
وكان بعض طلاب هذه الجامعة يواجهون الطرف الآخر مواجهات شديدة الأهمية، ومن هنا كانوا هدفا للضرب خلال مسيرتهم العارمة، حيث وقعت الصدامات بينهم وبين قوات الأمن. بشجاعة يحسدون عليها ! لم أسمح لنفسي أن أكون متفرجا، ولذا فإني أشارك بقلمي من الموقع الذي شعرت أنه الأقرب الى الحق.
لست اعرف بالضبط سبب المواجهات ولا مطالب هؤلاء المتظاهرين، لذلك فإني لا أرى جيداً الأهداف، وهناك تداخل شديد في الأشكال والألوان لكثرة الفرقاء، حتى ليبدو لي الجميع فريقا واحداً، ومعذرة إذا كنت أصارحكم بأنني لا أجد الديمقراطية أو العدل من بين هذه الغايات، المتظاهرون يرفعون شعارات متقاربة ربما بلهجات متعددة، ولكن الظاهر شيء والباطن فيما أعتقد شيء آخر. لكن تروعني سياسة الضرب كثيراً)). قال صديقي غاضبا : لكن المظاهرات بدون سياسة تقنين رغم شرعيتها سيفتح الأبواب على مصراعيها للعنف الإجتماعي.
أخشى، أيها الصديق العزيز أن لا تكون قوات الأمن قد تجاوزت حدودها بين الماء واليابسة. وهي أغلى من أن يفقد المواطن الثقة فيها.
أتمنى في أي حال أن تعامل هذه القوة كجهاز أمني للدولة، الجميع على قدم المساواة، فالثقة المتبادلة تكون ببناء الدولة الوطنية التي يتساوى أمامها جميع المواطنين في كرامة وحرية دون اخلال أو قهر. ولن يكون ذلك إلا حين ينطوي الجميع تحت لواء الشرعية فيسيطر القانون والدستور على الجميع دون تفرقة ودون ابتزاز وقمع أحد الأطراف.
في هذه الحال لن يستطيع جهاز الأمن ولا المواطنين أن يتجاوزوا حدودهم ولا أن يطرقوا باب الخروج على القانون.